قالوا : عسكر الحسين بن علي عليهالسلام ، فقلت : لأقضينّ بحق رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيه ، فأتيته ، فسلّمت ، فقال : من الرجل؟ فقلت : الفرزدق بن غالب ، قال : هذا نسب قصير ، فقلت : أنت أقصر مني نسبا ، أنت ابن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال لي : أبو من؟ قلت : أبو فراس ، فقال لي : يا أبا فراس ، كيف خلّفت الناس؟ ومن أين؟ وإلى أين؟ قلت : من البصرة ، أريد العمرة ، وما سألت عنه من أمر الناس فقلوبهم معك ، وسيوفهم مع بني أمية ، والقضاء ينزل من السماء ، فاغرورقت عيناه ، وقال : هكذا الناس في كل زمان أتباع لذي الدينار والدرهم ، والدين لغو على ألسنتهم ، فإذا فحصوا بالابتلاء قل الديانون.
قال الفرزدق (١) :
لقيت حسينا ، فقلت : بأبي أنت لو أقمت حتى يصدر الناس لرجوت أن ينقصف أهل الموسم معك ، فقال : لم آمنهم يا أبا فراس (٢) ، قال : فدخلت مكة ، فإذا فسطاط وهيئة (٣) ، فقلت : لمن هذا؟ قالوا : لعبد الله بن عمرو بن العاص ، فأتيته ، فإذا شيخ أحمر ، فسلمت : فقال : من؟ قلت : الفرزدق ، أترى أن أنصر حسينا ، قال : إذا تصيب أجرا وذخرا ، قلت : بلا دنيا ، فأطرق ثم قال : يا ابن غالب ، لتتمن خلافة يزيد ، فانظرن ، فكرهت ما قال : فسببت يزيد ومعاوية ، قال : مه ، قبحك الله ، فغضبت فشتمته وقمت. فلو حضره حشمه لأوجعوني. فلما قضيت الحج رجعت ، فإذا عير ، فصرخت ، ألا بايعا (٤) الحسين ، فردوا على الأفناء.
قال إسماعيل بن يسار :
لقي الفرزدق حسينا ، فسلّم عليه ، فوصله بأربع مائة دينار ، فقالوا : يا أبا عبد الله ، تعطي شاعرا متهترا؟! فقال : إنّ خير ما أمضيت من مالك ما وقيت به عرضك ، والفرزدق شاعر لا يؤمن ، فقال قوم لإسماعيل : وما عسى أن يقول في الحسين ، ومكانه مكانه ، وأبوه وأمه من قد علمت؟ قال : اسكتوا ، فإن الشاعر ملعون ، إن لم يقل في أبيه وأمه قال في نفسه.
قال الفرزدق (٥) :
__________________
(١) الخبر باختلاف الرواية في تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٦ (حوادث سنة ٦٠) والبداية والنهاية ٥ / ٦٧٣.
(٢) الذي في تاريخ الطبري : فقلت : بأبي وأمي يا بن رسول الله! ما أعجلك عن الحج؟ فقال : لو لم أعجل لأخذت.
(٣) في الطبري : فإذا بفسطاط مضروب في الحرم ، وهيئته حسنة.
(٤) كذا بالأصل.
(٥) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٧ والبداية والنهاية ٥ / ٦٧٣.