فلا تعجبنّ فإنّ الزّمان |
|
رهين بتفريق ما ألّفا |
قال : فنظرت إليه ثم قلت : إن كنت يا جعفر أصبحت آية ، فلقد كنت في الجود (١) غاية ، قال : فنظر إليّ الرشيد كالجمل الصّئول (٢) وهو مغضب وأنشأ يقول :
ما يعجب العالم من جعفر |
|
ما عاينوه فبنا كانا |
من جعفر أو من أبوه ومن |
|
كانت بنو برمك لولانا؟! |
ثم حوّل وجه فرسه وانصرف.
ولما (٣) بلغ سفيان بن عيينة قتل جعفر بن يحيى وما نزل بالبرامكة ، حوّل وجهه إلى الكعبة وقال : اللهم ، إنه قد كان كفاني مئونة الدنيا ، فاكفه مئونة الآخرة.
قال الأصمعي (٤) :
كنت أجالس الرشيد وأسامره ، فوجه إليّ ليلة في ساعة يرتاب فيها البريء ، فتناولت أهبة الدخول عليه فمنعت من ذلك وأعجلت ، فدخلني من ذلك رعب شديد وخوف ، وجعلت أتذكر ذنبا فلا أجده ، وجعلت نفسي تظن الظنون. فلما دخلت عليه سلّمت ومثلت بين يديه قائما وهو مطرق ، فرفع رأسه إلي ، فلما رآني أمرني بالجلوس ، فجلست ، فقال : يا عبد الملك ، قلت : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال :
لو أنّ جعفر خاف أسباب الرّدى (٥) |
|
لنجا بمهجته طمرّ (٦) ملجم (٧) |
ولكان من حذر المنون (٨) بحيث لا |
|
يرجو اللحاق به الغراب (٩) القشعم (١٠) |
__________________
(١) في البداية والنهاية : في الكرم والجود غاية.
(٢) صال الجمل يصول : وصؤل يصؤل : هو الذي يأكل راعيه ، ويشل الناس ويعدو عليهم.
(٣) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٧ / ١٦٠ من طريق محمد بن أحمد بن رزق حدثنا عمر بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثني إسماعيل بن محمد ، قال ، وذكره.
والبداية والنهاية ٧ / ١٩٠ من طريق أبي بكر الخطيب.
(٤) الخبر والأبيات في وفيات الأعيان ١ / ٣٣٩ والوافي بالوفيات ١١ / ١٦٣ ومروج الذهب ٣ / ٤٦٥ باختلاف الرواية.
(٥) بأصل مختصر ابن منظور : الرضى ، والمثبت عن المصادر السابقة.
(٦) الطمر : الفرس الجواد المستعد للوثوب. والملجم من اللجام ، وهو الرباط الذي يشد به الفرس عند الوقوف.
(٧) عجزه في وفيات الأعيان والوافي بالوفيات :
لنجا به به منها طمرّ ملجم
(٨) كذا في مروج الذهب ، وفي وفيات الأعيان والوافي : المنية.
(٩) في المصادر الثلاثة : العقاب.
(١٠) القشعم : المنّ من العقبان.