ومعنى قوله (١) : ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ علي ملكي فآخذ الرشوة فيه ، ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه ، حدّثت عائشة : أن أباه كان ملك قومه ، وكان له أخ من صلبه له اثنا عشر رجلا ، ولم يكن لأبي النجاشي ولد غير النجاشي ، فأدارت الحبشة رأيها بينها فقالوا : لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه ، فإن له اثني عشر رجلا من صلبه ، فتوارثوا الملك لبقيت الحبشة [بملكهم](٢) دهرا طويلا لا يكون بينهم اختلاف ، فعدوا عليه فقتلوه وملّكوا أخاه ، فدخل النجاشي لعمه حتى غلب عليه فلا يدبر أمره غيره ، وكان لبيبا. فلما رأت الحبشة مكانه من عمه قالوا : قد غلب هذا الغلام على أمر عمه ، فما يأمن أن يملكه علينا ، وعرف أنا قد قتلنا أباه [وجعلناه مكانه](٣) فإن فعل لم يدع منا شريفا إلا قتله ، فكلموه فيه فليقتله أو ليخرجنه من بلادنا ، فمشوا إلى عمه فقالوا : قد رابنا مكان هذا الفتى منك ، وقد عرفت أنا قد قتلنا أباه وجعلناك مكانه ، فلا نأمن إن تملك علينا فيقتلنا فإما أن تقتله ، وإما أن تخرجه من بلادنا. قال : فقال : ويحكم ، قتلتم أباه بالأمس ، وأقتله اليوم! بل أخرجه من بلادكم ، فخرجوا به فوقفوه بالسوق ، وباعوه من تاجر من التجار ، فقذفه في سفينة بست مائة درهم أو بسبع مائة درهم فانطلق به ، فلما كان العشيّ هاجت سحابة من سحاب (٤) الخريف ، فخرج عمه يتمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته ، ففزعوا إلى ولده فإذا هم محمقين ليس في واحد منهم خير ، فمرج (٥) على الحبشة أمرهم ، فقال بعضهم : تعلمون والله أن ملككم الذي لا يصلح أمركم غيره الذي بعتم الغداة ، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه قبل أن يذهب ، فخرجوا في طلبه حتى أدركوه فردّوه ، فعقدوا عليه تاجه وأجلسوه على سريره وملكوه ، فقال التاجر : ردوا عليّ مالي كما أخذتم مني غلامي ؛ فقالوا : لا نعطيك. فقال : إذا والله أكلمه فقالوا : وإن. فمشى إليه فكلمه فقال : أيها الملك إني ابتعت غلاما فقبض مني الذي باعونيه ثمنه ، ثم عدوا على غلامي فنزعوه من يدي ولم يردوا علي مالي ، فكان أول ما خبر (٦) من
__________________
(١) الخبر في سيرة ابن إسحاق رقم ٢٨٣ ص ١٩٧ قال : قال الزهري فحدثت بهذا الحديث عروة بن الزبير عن أم سلمة ، فقال عروة : هل تدري ما قوله.
والخبر في سيرة ابن هشام ١ / ٣٦٣.
(٢) زيادة عن سيرة ابن إسحاق.
(٣) زيادة للإيضاح عن سيرة ابن إسحاق.
(٤) ابن إسحاق : سحائب الخريف.
(٥) مرج : قلق واختلط.
(٦) سيرة ابن إسحاق : اختبر.