ولما ذاع صيت الامام وانتشر فضله وعلمه وحب الناس له، خاف هارون على ملكه فأوعز إلى اعتقال الامام عليهالسلام عند الفضل بن يحيى البرمكي، وذات يوم أرسل هارون على الفضل وهو غضبان يطلب منه أن يأتي بالامام عليهالسلام وكان هارون يريد قتله، فدعا الامام عليهالسلام بدعاء جدّه أمير المؤمنين عليهالسلام: «اللهمَّ بك أساور وبك أحاول وبك أجاور وبك أصول وبك انتصر وبك أموت وبك أحيى أسلمتُ نفسي إليك وفوضت أمري إليك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم إنّك خلقتني ورزقتني وسترتني عن العباد بلطف ما خولتني اغنيتني، فاذا هويت رددتني وإذا عثرت قومتني وإذا مرضت شفيتني وإذا دعوت أجبتني يا سيدي: ارض عني فقد أرضيتني»(١).
قال هارون للفضل فرأيتُ أقواماً قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون إن آذى ابن رسول الله خسفنا به وبداره الأرض وإن أحسن اليه انصرفنا عنه وتركناه. لذلك خاف هارون وأمر أن يأتي بغالية، فأتيَ بها، فطيَّب الامام بيده وأمر أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان ودنانير فقال الامام عليهالسلام لولا أني أرى أزوّج بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبداً. ومرّةً ثانية اصدر هارون أوامره باعتقال الامام عليهالسلام عند الفضل بن يحيى وأوعز إليه أن يقتل الامام عليهالسلام فامتنع الفضل وخاف من الله ولانه كان ممن يذهب إلى الامامة ويدين بها، وهذا هو السبب في اتهام البرامكة بالتشيع(٢). ثم إنَّ هارون نكل بالفضل وأمر أن يضرب مائة سوط.
وأخيراً لم يجد هارون من ينفّذ رغباته في موسى بن جعفر عليهالسلام سوى هذا الشرير الوغد اللئيم فنقله إلى سجنه وأمره بالتضييق عليه، فاستجاب الأثيم لذلك،
_________________________
(١) نفس المصدر السابق: ٤٧٩.
(٢) نفس المصدر السابق: ٤٨٠.