وقال : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) حتى (لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)(١) فأين هم من هذا ، أهل كان لأحد منهم قط [أخبر](٢) إلى الإسلام من يوم عمر بن الخطّاب بغير خليفة ولا جماعة ولا نظر فقد قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(٣) وأنا أشهد أن الله قد أنفذ للإسلام ما وعدهم من الظهور والتمكين والنصر على عدوهم ، ومن خالف رأي جماعتهم.
وقال وهب : لا يسعك يا ذا خولان من أهل التوحيد وأهل القبلة وأهل الإقرار بشرائع الإسلام وسننه وفرائضه ما وسع نبي الله نوحا من عبدة الأوثان (٤) والكفّار إذ قال له قومه : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) حتى بلغ (تَشْعُرُونَ)(٥) ، أو لا يسعك منهم ما وسع نبي الله وخليله إبراهيم من عبدة الأصنام ، إذ قال (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ، حتى بلغ (غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٦) ، أولا يسعك يا ذا خولان منهم ما وسع عيسى من الكفار الذين اتخذوه إلها من دون الله ، إنّ الله قد رضي قول نوح ، وقول إبراهيم ، وترك قول عيسى إلى يوم القيامة ليقتدي به المؤمنون ومن بعدهم يعني : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٧) ولا يخالفون قول أنبياء الله ورأيهم فيمن يقتدي إذا لم يقتد بكتاب الله وقول أنبيائه ورأيهم. واعلم أن دخولك عليّ رحمة لك إن سمعت قولي وقبلت نصيحتي لك وحجة عليك غدا عند الله إن تركت كتاب الله وعدت إلى رأي الحروراء.
قال ذو خولان : فما تأمرني؟ فقال وهب : انظر زكاتك المفروضة ، فأدّها إلى من ولّاه الله أمر هذه الأمة ، وجمعهم عليه ، فإن الملك من الله وحده وبيده ، يؤتيه الله من يشاء ، وينزعه ممّن يشاء ، فمن ملّكه الله لم يقدر أحد أن ينزعه منه ، فإذا أدّيت الزكاة المفروضة إلى والي الأمر برئت منها ، فإن كان فضل فصل به أرحامك ومواليك وجيرانك من أهل الحاجة ، وضيف إن ضافك ، فقام ذو خولان فقال : أشهد أنّي نزلت عن رأي الحرورية ، وصدّقت ما قلت ، فلم يلبث ذو خولان إلّا يسيرا حتى مات.
__________________
(١) سورة النور ، الآية : ٥٥.
(٢) سقطت من الأصل وم ، وزيدت عن تهذيب الكمال.
(٣) سورة التوبة ، الآية : ٣٣.
(٤) كذا بالأصل ، وفي م ، والمختصر ، وتهذيب الكمال : الأصنام.
(٥) سورة الشعراء ، الآيات ١١١ إلى ١١٣.
(٦) سورة إبراهيم ، الآيتان ٣٥ و ٣٦.
(٧) سورة المائدة ، الآية : ١١٨.