أنه يذلك ويعلوك ويصرعك ، فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه وذلك من الفتون يا ابن جبير ، بعد كلّ بلاء ابتلي به أو أريد به فتونا ، فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت : ما بدا لك في هذا الغلام الذي وهبته لي؟ قال : [ألا](١) ترينه (٢) يزعم أنه سيصرعني وسيعلوني؟ فقالت : اجعل بيني وبينك أمرا تعرف فيه الحق ، ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقرّبهن إليه ، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل ، وإنّ تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين علمت أن أحدا لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل ، فقرّب إليه ذلك ، فتناول الجمرتين فانتزعوها منه ، وخافت أن يحرقا يديه ، فقالت المرأة : ـ ألا ترى؟ فصرفه الله عنه بعد ما كان قد همّ به ، وكان الله بالغا فيه أمره ، فلمّا بلغ أشدّه وكان من الرجال لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة ، حتى امتنعوا كلّ الامتناع ، فبينا موسى يمشي في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما فرعوني والآخر إسرائيلي ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فغضب موسى غضبا شديدا لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم لا يعلم الناس إلّا إنّما ذلك من الرضاع إلّا أم موسى ، إلّا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على ما لم يطّلع عليه غيره ، فوكز موسى الفرعوني فقتله ، وليس يراهما أحد إلّا الله والإسرائيلي ، فقال موسى حين قتل الرجل : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ، إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ)(٣) ، (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ، فَغَفَرَ لَهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(٤) فأصبح في المدينة خائفا يترقب الأخبار ، فأتي فرعون فقيل له : إن بني إسرائيل قتلوا رجلا من آل فرعون ، فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم ، قال : ابغوني قاتله ويمن يشهد عليه ، فإنّ الملك وإن كان صفوة (٥) مع قومه ، لا يستقيم له أن يقتل بغير بينة ، ولا ثبت ، فاطلبوا علم ذلك آخذ لكم بحقكم ، فبينا هم يطوفون ولا يجدون شيئا ، إذا موسى قد رأى من الغد ذلك الإسرائيلي يقاتل رجلا من آل فرعون آخر ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، فصادف موسى قد ندم على ما كان منه ، فكره الذي رأى ، فغضب الإسرائيلي فهمّ بعد أن يبطش بالفرعوني ، فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ)(٦) ، فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعد ما قال ، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل به الفرعوني ،
__________________
(١) زيادة لازمة عن البداية والنهاية.
(٢) عن البداية والنهاية ، وبالأصل ود ، وم : تربيه.
(٣) سورة القصص ، الآية : ١٥.
(٤) سورة القصص ، الآية : ١٦.
(٥) الأصل : صنعه ، والمثبت عن م ، ود ، والبداية والنهاية.
(٦) سورة القصص ، الآية : ١٨.