ذاك لهوانهم علي ، ولكنهم استكملوا (١) نصيبهم من كرامتي سالما موفرا لم يكمله الطمع ولا يطعنه (٢) الهوى ، واعلم أنه لن يتزين لي العباد بزينة أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا ، إنّما هي زينة الأبرار عندي ، وآنق ما تزين به العباد في عيني منها لباس يعرفون به السكينة والخشوع ، سيماهم النحول والسجود ، أولئك هم (٣) أولياء حقا ، فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك ، وذلّل لهم قلبك ولسانك ، واعلم أنّ من أهان لي وليا وأخافه فقد بارزني (٤) بالمحاربة ، وبادأني ، وعرضني بنفسه ، ودعاني إليها ، وأنا أسرع إلى نصرة أوليائي ، أفيظن الذي يحاربني فيهم أنه يقوم لي؟ أم يظن الذي يعاديني فيهم أنه يعجزني ، أم يظنّ الذي يبادرني إليهم أنه يسبقني أو يفوتني؟ كيف وأنا الناصر لهم في الدنيا والآخرة؟ ولا أكل نصرتهم إلى غيري ، يا موسى ، أنا إلهك الديّان ، لا تستذل الفقير ، ولا تغبط الغني بشيء ، وكن عند ذكري خاشعا ، وعند تلاوة وحيي طمعا (٥) ، اسمعني لذاذة التوراة بصوت حزين.
أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمّد بن أحمد ، أنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن أحمد بن القاسم ، وأبو عمرو بن محمّد بن إسحاق ، قالا : أنا أبو محمّد الحسن بن محمّد المديني ، أنا أحمد بن محمّد بن عمر العبدي ، نا عبيد الله بن محمّد بن عبيد ، نا خلف بن هشام البزار ، نا أبو شهاب الحناط ، عن سفيان ، عن رجل عن ابن منبّه قال :
لما بعث الله موسى وهارون إلى فرعون قال : لا يرعكما لباسه الذي لبس من الدنيا ، فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلّا بإذني ، ولا يعجبكما ما متع به منها ، فإنّما هي زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين (٦) ، ولو شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عن ما أوتيتما لفعلت ، ولكني أرغب بكما عن ذلك ، فأزوي ذلك عنكما ، وكذلك أفعل بأوليائي ، وقد جرت لهم في أمور الدنيا أي لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة ، وإنّي لأجنبهم سلوتها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك العرّ [وما ذاك لهوانهم عليّ ولكن استكملوا نصيبهم من كرامتي
__________________
(١) الأصل وم ، ود ، و «ز» : «ستكملوا».
(٢) الأصل : يطيعه ، والمثبت عن د ، و «ز» ، وم.
(٣) كذا بالأصل ، وفي د ، و «ز» ، وم : أولئك أوليائي حقّا.
(٤) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم ، وفي المختصر : بادرني.
(٥) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم ، وفي المختصر : طامعا.
(٦) الأصل : المترفهين ، والمثبت عن د ، و «ز» ، وم.