قال (١) : كان بالبصرة أربعة ، كلّ رجل منهم لا يعلم في الأمصار مثله : الأحنف بن قيس في حلمه وعفافه ومنزلته من علي كرّم الله وجهه ، والحسن في زهده وفصاحته وسخائه وموقعه في قلوب الناس ، والمهلّب بن أبي صفرة [فذكر أمره](٢) ، وسوار بن عبد الله القاضي في عفافه (٣) وتحريه للحق.
أنبأنا أبو الفضل بن ناصر ، وأبو منصور الجواليقي ، وأبو الحسن سعد الخير ، قالوا : أنا أبو ياسر أحمد بن بندار بن إبراهيم ، أنا أبو الحسين محمّد بن عبد الواحد بن علي بن إبراهيم بن رزمة ، أنا أبو القاسم عمر بن محمّد بن سيف ، نا أبو عبد الله محمّد بن العبّاس البريدي ، نا أحمد بن يحيى ، نا أصحابنا ، قالوا : أنا القحذمي قال : قدم زياد الأعجم خراسان على المهلّب ، فنزل على حبيب بن المهلّب فجلسنا على شراب لهما وفي الدار شجرة عليها حمامة ، فجعلت تدعو فقال زياد الأعجم (٤) :
تغنّى أنت في ذممي وعهدي |
|
بأن (٥) لن يذعروك ولن تطاري |
إذا غنّيتني فطربت يوما (٦) |
|
ذكرت أحبّتي فذكرت داري |
فإمّا يقتلوك طلبت ثأرا |
|
بقتلهم (٧) لأنك في جواري |
فأخذ حبيب سهما فرماها فقتلها ، فقال زياد : قتلت جارتي بيني وبينك المهلّب ، فأتى المهلّب ، فقال : يا حبيب ، ادفع إلى أبي أمامة دية جاره ألف دينار كاملة ، قال : فقال حبيب : إنّما كنت ألعب ، فقال المهلّب : ليس مع هذا لعب ، جاره جاري ، بل هو أفضل ، فدفع إليه حبيب ألف دينار ، فقال زياد (٨) :
لله عينا من رأى كقضية |
|
قضى لي بها شيخ (٩) العراق المهلّب |
قضى ألف دينار لجار أجرته |
|
من الطير حضّان على البيض يتعب |
رماه حبيب بن المهلّب رمية (١٠) |
|
فأنفذه (١١) بالسهم والشمس تغرب |
__________________
(١) الخبر في تاريخ الإسلام (٨١ ـ ١٠٠) ص ٢٠٧ وسير أعلام النبلاء ٤ / ٣٨٤ وتهذيب الكمال ١٨ / ٤٣٣.
(٢) الزيادة عن المصادر السابقة الثلاثة ، وفي المختصر : وركزة أمره.
(٣) في تهذيب الكمال : فضله.
(٤) الخبر والشعر في الأغاني ١٥ / ٣٨٣.
(٥) عجزه في الأغاني : وذمة والدي إن لم تطاري.
(٦) صدره في الأغاني : فإنك كلما غنيت صوتا.
(٧) بالأصل و «ز» : تقتلهم ، والمثبت عن د ، وعجزه في الأغاني : له نبأ لأنك في جواري.
(٨) الأبيات في الأغاني ١٥ / ٣٨٣.
(٩) الأغاني : قرم.
(١٠) الأصل ود ، و «ز» : برمية ، والمثبت عن الأغاني.
(١١) عجزه بالأغاني :
فأثبتها بالسهم والسهم يغرب