عيالات أهل الشام ، فراعه ذلك ، فاستشار موسى بن نصير فقال له موسى : إن كانوا قد خرجوا في هذه الأيام فقد كفيتهم ، فقال له مروان : أزبيرية هذه يا موسى؟ قال : ستعلم يا أمير المؤمنين (١) أزبيرية هي أم مروانية ، إنّي عالم بهذا البحر ، فعقد له مروان على خيله ووجهه ، فسار موسى فيمن معه حتى إذا كان ببعض الشام رأى تكدّرا من النجوم ليلة من ذلك ، فقال : لا يبقى الليلة في البحر مركب إلّا تكسر وذهب ، فأجاز إلى عكا ويافا ، فألقى مراكب أهل مصر قد ألقاها الريح تلك الليلة فتكسرت ، فأخذهم موسى أسرى ، وهي ستمائة رجل كلهم من لخم ، وجعل مروان يتلبث في مسيره ذلك انتظارا لما يأتيه من قبل موسى ، فلما ظفر موسى بالقوم أقبل بهم ، وأغذّ السير حتى أدرك مروان بخربة القتيل فيما بين الفرما (٢) والجفار (٣) ، فدخل على مروان ، فأخبره الخبر ، وأتاه بالأسارى فأجازه مروان بألف دينار ، وسار مروان حتى إذا كان بجرجير (٤) انتهى إليه ما استعدّ به أهل مصر ، فبعث إلى وجوه من معه من أهل الشام وأهل بيته فقال : أشيروا عليّ في هؤلاء الأسرى ، فقال كلّ امرئ منهم برأيه ، وموسى ساكت ، فالتفت إليهم مروان فقال : ما لك يا ابن نصير لا تتكلم؟ قال : يا أمير المؤمنين قال : أخاف من [الكلمة](٥) التي كانت بالأمس ، قال : تكلم ، فلست عندنا ظنينا اليوم ، قال : أرى يا أمير المؤمنين أن تفكّ عانيهم ، وأن تحسن صفادهم (٦) ، وأن تبلغهم مأمنهم ، وأن تعف عنهم ، فيأتي الرجل منهم غدا قومه فيقول فيها لا يستطيعون رده من الثناء (٧) عليك ، فقبل مروان مشورة موسى وفك عنهم ، فقال رجل من أهل مصر من مراد :
جزاك الله يا ابن نصير خيرا |
|
فقد أنجيت من قتل وأسر |
عشية قال مروان أشيروا |
|
علي برأيكم في أهل مصر |
فقلت بما تراه الحظّ نصحا |
|
ولم تك (٨) مثل نعمان وعمرو |
__________________
(١) في المختصر : سيعلم أمير المؤمنين.
(٢) الفرما : مدينة على الساحل من ناحية مصر ، أو حصن على ضفة البحر (معجم البلدان).
(٣) الجفار : أرض بين فلسطين ومصر (معجم البلدان).
(٤) جرجير : موضع بين مصر والفرما (معجم البلدان).
(٥) بياض بالأصل وم ، و «ز» ، ود ، والكلمة أثبتت عن المختصر.
(٦) الصفاد : العطاء.
(٧) كذا بالأصل وم ، و «ز» ، ود ، والذي في المختصر : النبأ.
(٨) الأصل : يكن ، والمثبت عن د ، و «ز» ، وم.