وقال الشعبى (١) : بعث سعد إلى العيالات فأنزلهم الدور لما قسمها وفيها المرافق ، فأقاموا بالمدائن حتى فرغوا من جلولاء وحلوان وتكريت والموصل ، ثم تحولوا إلى الكوفة بعد.
قالوا : وجمع سعد الخمس ، وأدخل فيه كل شيء أراد أن يعجب به عمر ، من ثياب كسرى وحلية وسيفه ونحو ذلك ، ونفل من الأخماس فى أهل البلاء ، ولم يجهدها ، وفضل بعد القسم بين الناس ، وإخراج الخمس ، القطف فلم يعتدل ، فقال للمسلمين : هل لكم فى أن تطيب أنفسنا عن أربعة أخماسه ، ونبعث به إلى عمر فيضعه حيث يرى ، فإنا لا نراه يتفق : وهو بيننا قليل ، وهو يقع من أهل المدينة موقعا؟ فقالوا : نعم ، فبعث به على ذلك الوجه ، والقطف هو بهار كسرى ثقل عليهم أن يذهبوا به ، فتركوه بالمدائن ، فأصابه المسلمون ، وكان بساطا واحدا ستين ذراعا فى ستين ذراعا فيه طرز كالسور وفصوص كالأنهار ، وفى خلال ذلك كالدير ، فى حافاته كالأرض المزروعة والأرض المبقلة بالنبات فى الربيع من الحرير على قضبان الذهب ونواره بالذهب والفضة وأشباه ذلك. وكانوا يعدونه للشتاء إذا ذهبت الرياحين ، فكان إذا أرادوا الشراب شربوا عليه ، فكأنهم فى رياض ، وكانت العرب تسميه القطف ، فبعث به سعد مع الأخماس إلى عمر ، رضياللهعنه ، مع بشير بن الخصاصية ، فلما قدم عليه نفل من الخمس أناسا ، وقال : إن الأخماس ينفل منها من شهدها ومن غلب من أهل البلاء فيما بين الخمسين ، ولا أرى القوم جهدوا الخمس ، ثم قسم الخمس فى مواضعه ، ثم قال : أشيروا علىّ فى هذا القطف. فأجمع ملؤهم على أن قالوا : قد جعلوا ذلك لك ، فراء رأيك ، إلا ما كان من على ، رضياللهعنه ، فإنه قال : يا أمير المؤمنين ، الأمر كما قالوا : ولم يبق إلا التروية ، إنك إن تقبله اليوم على هذا لم تعدم فى غد من يستحق به ما ليس له ، قال : صدقتنى ونصحتنى.
وفى رواية أن عمر ، رضياللهعنه ، استشارهم فيه ، فمن بين مشير بقبضه ، وآخر مفوض إليه ، وآخر مرفق ، فقام على ، رضياللهعنه ، حين رأى عمر تأنى حتى انتهى إليه ، فقال : لم تجعل علمك جهلا ، ويقينك شكّا إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فامضيت ، أو لبست فأبليت ، أو أكلت فأفنيت. قال : صدقتنى ، فقطعه فقسمه بين الناس ، فأصاب عليا قطعة منه ، فباعها بعشرين ألفا ، وما هى بأجود تلك القطع.
وذكر المدائنى أن عمر حين قال له على : إن بلته لم تعدم بعدك من يستحق مأثما
__________________
(١) انظر : الطبرى (٤ / ٢١).