لهم : دلونى ، فقال له أحدهم : أمنونى على أهلى ومالى ، وأدلكم على حى من بنى تغلب غدوت من عندهم اليوم ، فآمنه المثنى وسار معه يومه ، حتى إذا كان العشى هجم عليهم ، فإذا النعم صادرة عن الماء ، والقوم جلوس بأفنية البيوت ، فبعث غارته فقتلوا المقاتلة ، وسبوا الذرية ، وانتسفوا الأموال ، وإذا هم بنو ذى الرويحلة ، فاشترى من كان من ربيعة السبايا بنصيبهم من الفيء ، فأعتقوا سبيهم ، وكانت ربيعة لا تسبى ، إذا العرب يتسابون فى جاهليتهم.
وأخبر المثنى أن جمهور من سلك البلاد قد انتجعوا شاطئ دجلة ، فسرح فى آثارهم حذيفة بن محصن ، وكان على مقدمته فى غزواته كلها بعد البويب ، ثم اتبعه فأدركوهم دون تكريت يخوضون الماء ، فأصابوا ما شاءوا من النعم ، حتى أصاب الرجل خمسا من السبى وخمسا من النعم ، وجاء المثنى بذلك حتى نزل على الناس بالأنبار ، ومضى فرات وعتيبة فى وجههما ، حتى أغارا على صفين وبها النمر وتغلب متساندين ، فأغاروا عليهم ونقبوهم ، فرموا بطائفة فى الماء ، فناشدوهم وجعلوا ينادون : الغرق الغرق ، فلم يقلعوا عنهم ، وجعل عتيبة والفرات يذمرون الناس وينادونهم : تغريق بتحريق ، يذكرونهم يوما من أيام الجاهلية أحرقوا فيه قوما من بكر بن وائل فى غيضة من الغياض ، ثم انطلق المسلمون راجعين إلى المثنى وقد غرقوهم.
فلما تراجع الناس إلى عسكرهم بالأنبار وتوافت بها البعوث والسرايا ، انحدر بهم المثنى إلى الحيرة فنزل بها ، وكانت لعمر ، رحمهالله ، فى كل جيش عيون يتعرفون الأخبار من قبلهم ، فكتب إليه بما كان فى تلك الغزاة ، وأبلغ الذي قال عتيبة والفرات ، يوم بنى تغلب والماء ، فبعث إليهما فسألهما ، فأخبراه أنهما قالا ذلك على وجه المثل ، وأنهما لم يفعلا ذلك على وجه طلب بذحل فى الجاهلية ، فاستحلفهما ، فحلفا ما أرادا بذلك إلا المثل ، وإعزاز الإسلام ، فصدقهم وردهما إلى المثنى.
ذكر ما هيج حرب القادسية على ما ذكره سيف عن أشياخه (١)
قالوا : قال أهل فارس لرستم والفيزران ، وهما عميدا أهل فارس : أين يذهب بكما لم يبرح بكما الاختلاف حتى وهنتما أهل فارس ، وأطمعتما فيهم عدوهم وإن لم يبلغ من خطركما أن تقركما فارس على هذا الرأى ، وأن تعرضاها للهلكة ، ما تنتظرون ، والله ما
__________________
(١) انظر : الطبرى (٣ / ٤٧٧ ـ ٤٧٩) ، الكامل لابن الأثير (٢ / ٣٠٨ ، ٣٠٩).