المسير حتى انصرف المسلمون ، فذهب عند ذلك بالكتاب. وقد كان أبو عبيدة بعثه أول النهار ، فلما قدم على عمر رحمهالله ، وقرأ كتابه ، قال له : ويحك ، هل علمت أو بلغت ما كان من أمر المسلمين ، فإن أبا عبيدة كتب إلىّ يخبرنى أنه كتب إلىّ حين نهض إلى المشركين؟ فقال له : أصلحك الله ، فإنى لم أبرح يومئذ حتى رجع المسلمون عنهم ، وكانوا زحفوا إليهم ، وتعرضت خيلهم لهم ، فلم يخرج النصارى إليهم ، فانصرف المسلمون إلى عسكرهم ، وهم أطيب شيء أنفسا وأحسن شيء حالا.
قال : فأنت ما حبسك يومئذ ، إلى العشى لم تقبل بالكتاب وقد دفعه إليك أبو عبيدة أول النهار؟ قال : ظننت أنك ستسألنى عما سألتنى عنه الساعة ، فأحببت أن يكون عندى علم ما تسألنى عنه. قال له عمر : ويحك ، ما دينك؟ قال : نصرانى ، قال : ويحك ، أفما يدلك عقلك هذا الذي أرى على أن تسلم ، ويحك أسلم فهو خير لك. قال : فقد أسلمت. فقال عمر : الحمد لله الذي يهدى من يشاء إذا يشاء ، ثم كتب معه إلى أبى عبيدة بن الجراح : سلاح عليك ، فإنى أحمد إليك الله لا إله إلا هو. أما بعد ، فإن كتابك جاءنى بنفير الروم إليك ، ومنزلهم الذي نزلوا به ، ورسالتهم التي أرسلوها ، وبالذى رجعت إليهم فيما سألوك ، وقد سددت بحجتك ، وأوتيت رشدك ، فإن أتاكم كتابى هذا وأنتم الغالبون فكثيرا ما يكون من ربنا الإحسان ، وإن أتاكم وقد أصابكم نكب أو قرح فلا تهنوا ولا تحزنوا ولا تستكينوا ، وأنتم الأعلون ، وإنها دار الله ، وهو فاتحها عليكم فاصبروا إن الله مع الصابرين ، واعلم أنك متى لقيت عدوك فاستعنت بالله عليهم وعلم منك الصدق نصرك عليهم ، فقل إذا أنت لقيتهم : اللهم أنت الناصر لدينك ، المعز لأوليائك ، الناصر لهم قديما وحديثا ، اللهم فتول نصرهم ، وأظهر فلجهم ، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ، وكن أنت الصانع لهم والمدافع عنهم برحمتك ، إنك أنت الولى الحميد.
فأقبل الرسول بهذا إلى أبى عبيدة ، وكان أبو عبيدة بعد ذلك اليوم الذي زحف فيه إلى الروم فلم يخرجوا إليه ، سرح إليهم من الغد خالدا فى الخيل ، ولم يخرج أبو عبيدة يومئذ فى الرجالة ، فخرجت إلى خالد خيل لهم عظيمة ، فأقبلت نحوه ، فقال لقيس بن هبيرة ، وكان من أشد الناس بأسا ، وأشده نكاية فى العدو ، ومباشرة لهم بعد خالد : يا قيس ، اخرج إلى هذا الخيل. فخرج إليهم قيس ، فحمل عليهم مرارا ، وحملوا عليه ، فقاتلهم قتالا شديدا ، ثم أقبلت خيل أخرى عظيمة للروم ، فقال خالد لميسرة بن مسروق : اخرج إليهم ، فخرج ميسرة فقاتلهم قتالا شديدا ، ثم خرجت إليهم من الروم