أعظمت العرب قريشا ، وقالوا : هم أهل الله ، قاتل الله عنهم وكفاهم مئونة عدوهم ، فقالوا فى ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة وما رد عن قريش من كيدهم ، فقال عبد الله بن الزبعرى السهمى :
تنكلوا عن بطن مكة إنها |
|
كانت قديما لا يرام حريمها |
لم تخلق الشعرى ليالى حرمت |
|
إذ لا عزيز من الأنام يرومها |
سائل أمير الحبش عنها ما رأى |
|
ولسوف ينبى الجاهلين عليهما |
ستون ألفا لم يؤوبوا أرضهم |
|
بل لم يعش بعد الإياب سقيمها |
كانت بها عاد وجرهم قبلهم |
|
والله من فوق العباد يقيمها |
وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري ثم الخطمى ، من قصيدة سيأتى ذكرها بجملتها:
فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا |
|
بأركان هذا البيت بين الأخاشب |
فعندكم منه بلاء مصدق |
|
غداة أبى يكسوم هادى الكتائب |
كتيبته بالسهل تمشى ورجله |
|
على القاذفات فى رءوس المناقب (١) |
فلما أتاكم نصر ذى العرش ردهم |
|
جنود المليك بين ساف وحاصب |
فولوا سراعا هاربين ولم يؤب |
|
إلى قومه ملحبش غير عصائب (٢) |
وقالت سبيعة بنت الأحب بن زبينة من بنى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور ، لابنها خارجة بن عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، تعظم عليه حرمة مكة وتنهاه عن البغى فيها وتذكر تبعا وتذلّله لها ، والفيل وهلاك جيشه عندها :
أبنى لا تظلم بمك |
|
ة لا الصغير ولا الكبير |
واحفظ محارمها بن |
|
ى ولا يغرنك الغرور |
أبنى من يظلم بمك |
|
ة يلق أطراف الشرور |
أبنى يضرب وجهه |
|
ويلح بخديه السعير |
أبنى قد جربتها |
|
فوجدت ظالمها يبور |
الله آمنها وما |
|
بنيت بعرصتها قصور |
والله آمن طيرها |
|
والعصم (٣) تأمن فى ثبير |
ولقد غزاها تبع |
|
فكسا بنيتها الحبير (٤) |
__________________
(١) القاذفات : أعالى الجبال البعيدة. والمناقب : جمع منقبة ، وهى الطريق فى رأس الجبل.
(٢) ملحبش : أى من الحبش ، والعصائب : الجماعات.
(٣) العصم : جمع أعصم ، وهو الوعل ، قيل له ذلك لأنه يعتصم بالجبال.
(٤) الحبير : هو الثور الحبير : أى هو الجديد الناعم ، وقيل : الثياب الموشية.