هذه وصاتك بى! فقال له مصعب : إنه أخى دونك ، فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشى ، فقيل لها : أربعة آلاف درهم ، فبعثت ففدته بها.
وذكر قاسم بن ثابت فى دلائله : أن قريشا لما توجهت إلى بدر مر هاتف من الجن على مكة ـ فى اليوم الذي أوقع بهم المسلمون ـ وهو ينشد بأبعد صوت ولا يرى شخصه :
أزار الحنيفيون بدرا وقيعة |
|
سينقض منها ركن كسرى وقيصرا |
أبادت رجالا من لؤيّ وأبرزت |
|
خرائد يضربن الترائب حسرا |
فيا ويح من أمسى عدو محمد |
|
لقد جار عن قصد الهدى وتحيرا |
فقال قائلهم : من الحنيفيون؟ فقالوا : هو محمد وأصحابه ، يزعمون أنهم على دين إبراهيم الحنيف ، ثم لم يلبثوا أن جاءهم الخبر اليقين.
وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش : الحيسمان بن عبد الله الخزاعى. فقالوا : ما وراءك؟ قال : قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو الحكم بن هشام ، وأمية بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأبو البخترى بن هشام ، فلما جعل يعدد أشراف قريش ، قال صفوان بن أمية وهو قاعد فى الحجر : والله إن يعقل هذا ، فسلوه عنى. قالوا : ما فعل صفوان بن أمية؟ قال : ها هو ذاك جالس فى الحجر ، وقد والله رأيت اباه وأخاه حين قتلا.
وقال أبو رافع مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب ، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت فأسلم العباس ، وأم الفضل ، وأسلمت ، وكان العباس يهاب قومه ، ويكره خلافهم ، فكان يكتم إسلامه ، وكان ذا مال كثير متفرق فى قومه ، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر ، فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه ، ووجدنا فى أنفسنا قوة وعزة ، وكنت أعمل الأقداح فى حجرة زمزم ، فو الله ، إنى لجالس فيها أنحت أقداحى وعندى أم الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر ، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس إلى طنب الحجرة ظهره إلى ظهرى.
فبينا هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم. فقال أبو لهب : هلم إلى فعندك لعمرى الخبر ، فجلس إليه والناس قيام عليه ، فقال : يا ابن أخى ، أخبرنى كيف كان أمر الناس؟ قال : والله ، ما هو إلا أن لقينا القوم منحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا ، وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس ،