فى ترك ديننا واتباعنا إياك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر وإنما منزلنا بين صريى اليمامة والسمامة. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما هذان الصريان؟ فقال : أنهار كسرى ومياه العرب ، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول ، وأما ما كان من مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول ، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا ولا نؤوى محدثا ، وإنى أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه هو مما تكرهه الملوك ، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلى مياه العرب فعلنا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما أسأتم فى الرد إذ أفصحتم بالصدق ، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه ، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه؟» فقال النعمان : اللهم لك ذا.
فتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) [الأحزاب : ٤٥]. ثم نهض النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأخذ بيدى فقال : يا أبا بكر ، يا أبا حسن ، أية أخلاق فى الجاهلية! ما أشرفها! بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم (١).
قال ابن إسحاق (٢) : فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ذلك من أمره كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله تعالى من الهدى والرحمة ، ولا يسمع بقادم قدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له فدعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده.
وقدم سويد بن صامت (٣) أخو بنى عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا ، فتصدى له رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدعاه إلى الله وإلى الإسلام فقال له سويد : فلعل الذي معك مثل الذي معى.
__________________
(١) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (٣ / ١٨٤ ـ ١٨٥).
(٢) انظر : السيرة (٢ / ٣٥).
(٣) هو : سويد بن الصامت الأوسى ، لقى النبيّ صلىاللهعليهوسلم بسوق ذى المجاز من مكة فى حجة حجها سويد على ما كانوا يحجون عليه فى الجاهلية. انظر ترجمته فى : الاستيعاب (٢ / ٢٣٥ ، ٢٣٦) الترجمة رقم (١١٢١).