كان ما كان ، وأبى الله عزوجل ، إلا ما ترى من تأخر إسلامى ، وقد مات عامة النفر الذين كانوا معى ، فأين مدخلهم؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من مات على غير الإسلام فهو فى النار». فقال ميسرة : الحمد لله الذي تنقدنى. فأسلم ، فحسن إسلامه ، وكان له عند أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، مكان.
وعن ابن إسحاق (١) : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتى بنى عامر بن صعصعة ، فدعاهم إلى الله عزوجل ، وعرض عليهم نفسه ، فقال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس : والله لو أنى أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ، ثم قال له : أرأيت إن تابعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال : «الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء». قال : أفنهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك (٢).
فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافى معهم موسمهم ، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون فى ذلك الموسم ، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان فى موسمهم ، فقالوا جاءنا فتى من قريش ثم أحد بنى عبد المطلب يزعم أنه بنى ، يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا.
فوضع الشيخ يديه على رأسه ثم قال : يا بنى عامر ، هل لنا من تلاف ، هل لذناباها من مطلب؟ (٣) والذي نفس فلان بيده ما تقولها إسماعيلى قط وإنها لحق ، فأين رأسكم كان عنكم؟!.
وزاد الواقدى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما قام عن بنى عامر وانصرف إلى راحلته ليركبها أتاه بيجرة ، ونسبه الواقدى : بيجرة بن عبد الله بن سلمة ، ورجلان معه فنخسوا به راحلته حتى سقط عنها ، ويقال : قطعوا بطان راحلته.
قال : فقامت امرأة منهم يقال لها : ضباعة بنت قرط ، وكانت قد أسلمت وكانت تحت عبد الله بن جدعان ، فكرهته ففارقها وخلف عليها بعده هشام بن المغيرة ، وهى أم ابنه سلمة ، وصاحت : يا بنى عامر أيؤذى محمد وأنا شاهدة؟! فقام إليهم غطيف
__________________
(١) انظر : السيرة (٢ / ٣٤ ـ ٣٥).
(٢) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ١٣٩ ، ١٤٠) ، تاريخ الطبرى (١ / ٥٥٦).
(٣) قال السهيلى فى الروض الأنف (٢ / ١٨١) : هو مثل يضرب لما فاته منها ، وأصله : من ذنابى الطائر إذا أفلت من حباله فطلبت الأخذ بذنابيه.