وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين فيما تسترق من السمع ، إذ كانت لا تحجب عن ذلك ، وكان الكاهن والكاهنة ، لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره لا تلقى العرب لذلك فيه بالا ، حتى بعثه الله ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها.
فلما تقارب أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحضر مبعثه ، حجبت الشياطين عن السمع ، وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد فيها لاستراقه ، فرموا بالنجوم ، فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من أمر الله فى العباد.
يقول الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم حين بعثه يقص عليه خبرهم إذ حجبوا : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) [الجن : ١ ، ١٠].
فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحى بشيء من خبر السماء فيلتبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله فيه ، لوقوع الحجة وقطع الشبهة ، فآمنوا به وصدقوا. ثم : (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأحقاف : ٢٩ ، ٣٠].
وقول الجن : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) الآية [الجن : ٦] ، هو أن الرجل من العرب من قريش وغيرهم كان إذا سافر فنزل بطن واد من الأرض ليبيت فيه قال : إنى أعوذ بعزيز هذا الوادى من الجن الليلة من شر ما فيه.
وذكر (١) أن أول العرب فزع للرمى بالنجوم ، حين رمى بها ، ثقيف ، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له : عمرو بن أمية ، أحد بنى علاج ، وكان أدهى العرب وأنكرها رأيا فقالوا له : يا عمرو ، ألم تر ما حدث فى السماء من القذف بهذه النجوم؟.
قال : بلى ، فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها فى البر والبحر ، وتعرف
__________________
(١) انظر : السيرة (١ / ١٧٩).