فكلمنا أمه وقلت لها : لو تركت بنى عندى حتى يغلظ ، فإنى أخشى عليه وباء مكة. فلم نزل بها حتى ردته معنا ، فرجعنا به.
فو الله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه لفى بهم لنا خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشتد ، فقال لى ولأبيه ذاك أخى القرشى قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه.
قالت : فخرجت أنا وأبوه نحوه ، فوجدناه قائما منتقعا وجهه. قالت : فالتزمته والتزمه أبوه ، فقلنا : ما لك يا بنى؟ قال : «جاءنى رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعانى فشقا بطنى فالتمسا فيه شيئا لا أدرى ما هو» (١).
قالت : فرجعنا به إلى خبائنا وقال لى أبوه : يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب ، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به. قالت : فاحتملناه فقدمنا به على أمه ، فقالت : ما أقدمك به يا ظئر (٢) ولقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك؟.
قلت : قد بلغ والله بابنى ، وقضيت الذي على ، وتخوفت الأحداث عليه ، فأديته عليك كما تحبين. قالت : ما هذا شأنك ، فاصدقينى خبرك. قالت : فلم تدعنى حتى أخبرتها. قالت : أفتخوفت عليه الشيطان؟ قلت : نعم.
قالت : كلا والله ما للشيطان عليه سبيل ، وإن لبنى لشأنا ، أفلا أخبرك خبره ، قلت : بلى. قالت : رأيت حين حملت به أنه خرج منى نور أضاء لى قصور بصرى من أرض الشام.
ثم حملت به ، فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه ، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء. دعيه عنك وانطلقى راشدة (٣).
__________________
(١) قصة شق صدر النبيّ ، وهو عند حليمة السعدية مشهوره ، وقد رواها الإمام مسلم فى صحيحه (١ / ١٠١ ، ١٠٢) عن أنس بن مالك : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتاه جبريل ، وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه ، فشق عن قلبه فاستخرجه ، فاستخرج منه علقة ، فقال : هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم ثم لزمه ثم أعاده إلى مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ، يعنى مرضعته ، أن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون».
(٢) الظئر : مهموز العاطفة على غير ولدها المرضعة له من الناس والإبل الذكر والأنثى فى ذلك سواء والجمع اظئار. انظر : اللسان (مادة ظئر).
(٣) انظر : السيرة (١٤٤ ـ ١٤٦).