قبض نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إليه أوصى ابن عمّه ـ المعدود أخاه ونفسه بأمر الله ـ كما هي عادة الأنبياء وأهل الولاية.
ولمّا قبضه الله إليه وجد أولئك المتصنّعون فرصة الأطماع والثارات ، واغتنم بعضهم مشغولية الوصي بجهاز النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فبادروا لعقد البيعة لواحد منهم ، وأعانهم أهل المكر والخداع ، واتّبعهم الرعاع!
فكان الأمر كما قال تعالى منكرا عليهم : ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ ... ) (١) ، وكما أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّهم يرتدّون على أدبارهم القهقرى (٢) ، وأنّه يكون في هذه الأمّة مثل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل (٣) ، الذي من جملته مخالفة أخيه وإرادة قتله ، ولم يبق مع وصيّه إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان ( ... وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (٤).
فلمّا تمّ الأمر لأولئك القوم وقد كانوا سمعوا من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقوع الفتح بعده لبلاد كسرى وقيصر ، والنفس أمّارة بالإمارة ، ساروا لفتح تلك البلاد ، ووقع الفتح على أيديهم ، فساسوا البلاد على حسب أهوائهم ، وغيّروا الأحكام بآرائهم ، واستأثر ثالثهم بالفيء حتّى كبت به بطنته ، ولو تركوا الأمر لأهله لعمّ الإسلام والعدل وفتحوا الدنيا بأسرها.
فهل ترى أنّ هذا التاريخ أقرب إلى الاعتبار ، أو التأريخ الذي ذكره الخصم؟!
__________________
(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.
(٢) انظر مثلا : صحيح البخاري ٨ / ٢١٦ ـ ٢١٧ ح ١٦٤ ـ ١٦٦.
(٣) انظر : المستدرك على الصحيحين ١ / ٢١٨ ح ٤٤٤ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٩٨ ، مختصر تاريخ دمشق ٦ / ٣٣٧ ، كنز العمّال ١ / ٢١١ ح ١٠٦٠.
(٤) سورة يوسف ١٢ : ١٠٣.