وقال الفضل (١) :
إعلم أنّ النظر في معرفة الله واجب بالإجماع ، والاختلاف في طريق ثبوته.
فعند الأشاعرة طريق ثبوته : السمع ، لقوله تعالى : ( انْظُرُوا ) (٢) ؛ ولأنّ معرفة الله واجبة إجماعا ، وهي لا تتمّ إلّا بالنظر ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به فهو واجب ، ومدرك هذا الوجوب هو السمع كما سيتحقّق بعد هذا.
وأمّا المعتزلة ومن تبعهم من الإمامية (٣) ، فهم أيضا يقولون بوجوب النظر ، لكن يجعلون مدركه العقل لا السمع (٤).
ويعترضون على الأشاعرة بأنّه لو لم يجب النظر إلّا بالشرع لزم إفحام
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٥١ ـ ١٥٥.
(٢) سورة يونس ١٠ : ١٠١.
(٣) إنّ القول بأنّ الإمامية تبع للمعتزلة في علم الكلام ، وأنّهم متّفقون معهم في العقيدة ، قول باطل لا أساس له من الصحّة جملة وتفصيلا ...
فللإمامية رأيهم المستقلّ ، ومن الخطأ في التعليل والاعتباط في الرأي أن نجعل موافقة الإمامية للمعتزلة دليلا على تأثّرهم بهم ، أو حضور إماميّ عند معتزليّ شاهدا على استجداء العقيدة واستماحة الفكر ، بل إنّ الاحتكاك الفكري هو الذي ينمّي التفكير ويصحّح طرق الاستدلال ويقصّر السبل ويسهّلها ؛ وقد نشأ علم الكلام واستقرّت طرقه ومناهجه عند الإمامية قبل غيرهم.
وقد فصّل البحث في ذلك سماحة الشيخ محمّد رضا الجعفري ـ حفظه الله ـ في مقاله : « الكلام عند الإمامية » المنشور في مجلّة « تراثنا » ، العددين ٣٠ ـ ٣١ ، ص ١٤٤ ـ ٢٩٩ ؛ فراجع.
(٤) شرح الأصول الخمسة : ٤٢ ـ ٤٣ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٦٧ ـ ١٧١.