النفس فلاسفه فيه ، ومثاله ـ على وفق ما ذكر ـ أنّ الواحد منّا لو جلس في بيت وحده منفردا ، ورتّب في نفسه أنواع الأوامر لجماعة سيأتون عنده ، ولا يتلفّظ به ، فلا يكون سفها ولا حماقة ، بل السفيه من نسبه إلى السفه.
فالكلام النفسي : هو المعنى القائم بذات الله تعالى في الأزل ، ولا تلفّظ بذلك الكلام ، بل هو لجماعة سيحدثون ، ويكون التلفّظ به بعد حدوثهم وحدوث أفعالهم التي تقتضي الأمر والنهي والإخبار والاستفهام ، فلاسفه ولا حماقة كما ادّعاه.
وبهذا الجواب ـ أيضا ـ يندفع ما ذكره من لزوم صدور القبيح من الله تعالى ؛ لأنّ ذلك في التلفّظ بالكلام النفسي ، ونحن نسلّم أن لا تلفّظ في الأزل ، بل هناك معان قائمة بذات الله تعالى ، قديمة.
وأيضا : يندفع ما ذكره من لزوم الكذب ؛ لأنّ الصدق والكذب صنفان للكلام الذي يتلفّظ به ، لا المعاني المزوّرة (١) في النفس ، المقولة بعد هذا لمن سيحدث.
وأمّا الاستدلال على حدوث الكلام بقوله تعالى : ( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٢) لأنّه إخبار عن المستقبلفيكون حادثا ..
فالجواب عنه أنّ لفظ ( كُنْ ) حادث ، ولا نزاع لنا فيه.
إنّما النزاع في المعنى الأزلي النفساني ، ولا يلزم من كون مدلول [ لفظة ] ( كُنْ ) في ذات الله تعالى : حدوثه.
__________________
(١) كان في الأصل : « المزبورة » وهو تصحيف ، وما أثبتناه من المصدر.
(٢) سورة النحل ١٦ : ٤٠.