عقله ، فخرجت إلى طحان على بابه ، فقلت : ادخل فأعنّا على هذا الشيخ ، فاستخرجناه من قبره وهو في غشيته ، فقال لي الطحان : ويحك ، ما أردت إلى ما صنعت بهذا الشيخ ، والله لا يغفر الله ما صنعت ، فخرجت وتركته صريع نترته ، فلمّا كان من الغد عدت إليه فإذا بسلخ في وجهه ، وإذا بشريط قد شدّ به رأسه لصداع وجده ، فلمّا رآني قال : يا أبا السّري ، المعاودة ، قال : قلت : يكون من ذلك ما قدر ، وخرجت وتركته.
هذا آخر حديث ابن رزق ، وسياق الخبر له.
وقال الخفاف (١) : ثم قال لي المعاودة يرحمك الله ، فقلت له : فأين بلغت أيها المتعبّد من أحزانك ، وهل بلغ الخوف ليلة من منامك؟ فتالله لكأني أنظر إلى آكل الفطير ، والصابر على خبز الشعير ، يأكل ما اشتهى ، وسعى عليه بلحم طير ، وسقي من الرحيق المختوم ، قال : فشهق شهقة فحركته ، فإذا هو قد فارق الدنيا.
أخبرنا أبو العلاء صاعد بن أبي الفضل بن أبي عثمان الماليني ، أنا أبو محمّد عبد الله ابن أبي بكر بن أحمد السقطي المقرئ ، نا أبو الفضل محمّد بن أحمد بن محمّد بن (٢) الجارود الجارودي الحافظ ـ إملاء بهراة ـ نا أبو بكر محمّد بن يحيى المكّي ، نا أبو العبّاس السرّاج (٣) ، حدّثني أحمد بن موسى الأنصاري ، عن منصور بن عمّار قال :
حججت حجّة فنزلت سكة من سكك الكوفة ، فخرجت في ليلة مظلمة ، فإذا بصارخ يصرخ في جوف الليل وهو يقول : إلهي ، وعزّتك وجلالك ما أردت مخالفتك ، ولقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بمكانك (٤) جاهل ، ولكن خطيئة عرضت أعانني عليها شقائي ، وغرّني سترك المرخى عليّ ، وقد عصيتك بجهدي ، وخالفتك بجهلي ، فالآن من عذابك تستنقذني؟ وبحبل من أتصل إن أنت قطعت حبلك مني ، وا شباباه ، قال : فلمّا فرغ من قوله تلوت آية من كتاب الله : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) الآية (٥) ، فسمعت دكدكة شديدة ، ثم لم أسمع بعدها شيئا ، فمضيت ، فلمّا كان من الغد رجعت في مدرجتي ، فإذا بجنازة قد وضعت (٦) ، وإذا بعجوز كبيرة ، فسألتها عن أمر الميت ـ ولم تكن عرفتني ـ فقالت :
__________________
(١) تاريخ بغداد ١٣ / ٧٨.
(٢) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل ، وفي م : «محمود» بدلا من : «محمد بن».
(٣) من هذا الطريق رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٩ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ وسير أعلام النبلاء ٩ / ٩٧.
(٤) في حلية الأولياء وسير أعلام النبلاء : وما أنا بنكالك جاهل.
(٥) سورة التحريم ، الآية : ٦.
(٦) في الحلية : بجنازة قد أخرجت.