يخذلك من ترى معك ، فإنّي لا أرى معك إلّا أوباشا (١) من الناس ، لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم ، فغضب أبو بكر الصّدّيق وقال : امصص بظر اللات ، أنحن نخذله؟! فقال عروة : أما والله لو لا يد لك عندي لم أجزك بها بعد لأجبتك ؛ وكان عروة بن مسعود قد استعان في حمل دية ، فأغاثه الرجل بالفريضتين والثلاث ، وأعانه أبو بكر بعشر فرائض ، فكانت هذه يد أبي بكر عند عروة بن مسعود ، وطفق عروة وهو يكلّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمس لحيته ، والمغيرة قائم على رأس رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسيف ، على وجهه المغفر ، فطفق المغيرة كلّما مسّ لحية رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرع يده ويقول : اكفف يدك عن مسّ لحية رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل أن لا تصل إليك ، فلمّا كثر عليه غضب عروة فقال : ليت شعري ، من أنت؟ يا محمّد ، من هذا الذي أرى من بين أصحابك؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذا ابن أخيك ، المغيرة بن شعبة» ، قال : وأنت بذلك يا غدر؟ والله ما غسلت عندك غدرتك إلّا بعكاظ (٢) أمس ، لقد أورثتنا العداوة من ثقيف إلى آخر الدهر ، يا محمّد تدري كيف صنع هذا؟ إنه خرج في ركب من قومه ، فلمّا كانوا ببساق ناموا فطرقهم فقتلهم وأخذ حرائبهم وفرّ منهم ، وكان المغيرة خرج مع نفر من بني مالك بن حطيط ابن جشم بن قسي ـ والمغيرة أحد الأحلاف (٣) ـ ، ومع المغيرة حليفان له يقال لأحدهما دمّون ـ رجل من كندة ـ والآخر الشريد ، وإنّما كان اسمه عمرو ، فلمّا صنع المغيرة بأصحابه ما صنع شرّد (٤) فسمّي الشريد ، خرجوا إلى المقوقس صاحب الاسكندرية ، فجاء بني مالك وآثرهم على المغيرة فأقبلوا راجعين ، حتى إذا كانوا ببساق (٥) شربوا خمرا ، فكفّ المغيرة عن بعض الشراب ، وأمسك نفسه ، وشربت بنو مالك حتى سكروا ، فوثب عليهم المغيرة فقتلهم ، وكانوا ثلاثة عشر رجلا ، فلمّا قتلهم ونظر إليهم دمون تغيب عنه ، وظنّ أنّ المغيرة إنّما حمله على قتلهم السكر ، فجعل المغيرة يطلب دمّون ويصيح به ، فلم يأت ويقلّب القتلى فلا يراه ، فبكى فلما رأى ذلك دمون خرج إليه فقال المغيرة : ما غيّبك؟ قال : خشيت أن تقتلني كما قتلت القوم ، قال المغيرة : إنّما قتلت بني مالك بما صنع بهم المقوقس ، قال : وأخذ المغيرة أمتعتهم وأموالهم ، ولحق بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا أخمّسه ، هذا غدر» ، وذلك حين أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم خبرهم ، وأسلم المغيرة ، وأقبل الشريد ، فقدم مكة ، فأخبر أبا سفيان بن حرب
__________________
(١) بالأصل وم ود ، و «ز» : «أوباش» والمثبت عن المغازي. والأوباش من الناس : الأخلاط.
(٢) في مغازي الواقدي : بعلابط.
(٣) مغازي الواقدي : أحد الأحلام.
(٤) مغازي الواقدي : شرده.
(٥) في مغازي الواقدي : ببيسان.