منها قليل ، ومن كان يصر على الجهر بالحقيقة ، فإنه يتعرض لمختلف أنواع القهر والاضطهاد ، كما كان الحال بالنسبة لأبي ذر «رحمه الله» (١).
وهكذا .. فإن الصحابة لم يتمكنوا من الجهر بما تجيش ، أو بكل ما تجيش به صدورهم ، حتى أشرف هذا الجيل على الفناء والزوال ، مما كان من شأنه أن يفسح المجال أمام الجهاز الحاكم لكل افتراء ضد أهل البيت «عليهم السلام» ، وضد النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه ، ثم ضد الإسلام بشكل عام.
وخلاصة الأمر : أن قتل الحسين «عليه السلام» في زمن معاوية ليس فقط لا يجدي ولا ينفع ، وإنما يكون فيه قضاء تام على الأمل الوحيد للدين ، والأمة ، وللحق ، وفي هذا خيانة حقيقية ظاهرة لكل ذلك ، بمقدار ما كان استشهاد الحسين «عليه السلام» بعد ذلك وفاء للدين ، وللأمة وللحق ، عندما لم يعد انحراف الحكم ولا دينيته ، بل وعداؤه للدين خافيا على أحد ، ولم يمكن بعد للدهاء والمكر ، وللسياسات المنحرفة أن تتستر عليه ، ولا أن تقلل من وضوحه ، وأصبح السكوت عليه في تلك الظروف هو الخيانة للدين ، وللأمة ، وللحق.
وإلا فإن الحسين «عليه السلام» قد عاش في حكم معاوية بعد استشهاد أخيه الحسن «عليه السلام» عشر سنوات ، ولم يقم بالثورة ضده ، مع أن الحسين «عليه السلام» الذي سكت في زمن معاوية هو نفسه الحسين الذي ثار في زمان يزيد ، كما أن الانحراف والظلم الذي كان في زمان هذا قد كان في زمان ذاك ، وما ذكرناه هو المبرر لسكوته هناك ، وثورته هنا.
__________________
(١) راجع مقالنا عن أبي ذر في الجزء الأول من كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.