فلم يألوا ، وإني سأجمع لك أمرك بكلمات ، فاعلم أنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر ، فابدأ بنصيبك من الآخرة ، فإنه سيمرّ بك على نصيبك من الدنيا ، فينتظمه ، ثم يزول معك أين ما زلت (١).
أخبرنا أبو سعد بن البغدادي ، أنا إبراهيم بن محمّد الطيّان ، أنا إبراهيم بن عبد الله بن خرشيد قوله ، أنا أبو بكر النيسابوري ، أنا العباس بن الوليد ، نا ابن جابر ، نا سليمان بن موسى ، عن أبي سعيد بن عمارة الثعلبي قال :
جاءني جائي (٢) فقال : هؤلاء ناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فركبت حتى أدركت ، فطفقت أسألهم ، أقول : اقبسوني علما ، أو علّموني خيرا ، فكلّهم لا يألوني خيرا ، فمررت بفتى في آخر القوم ، فعدّته عيني لحداثة سنّه ، فلما جاوزته دعاني فقال : إنك قد سألت هؤلاء وكلهم لا يألونك خيرا ، وقد أظن أنك لم تحفظ كلّ الذي قالوا لك ، أفلا أوصيك بكلمتين تجمعان لك قول القوم كله؟ قال : قلت : بلى ، قال : إذا اجتمع لك أمران أحدهما للدنيا والآخر للآخرة فابدأ بنصيبك من الآخرة ، فإنه سيمرّ بك على ما قسم لك من دنياك فانتظمه (٣) فيزول معك حيث زلت ، وإنك متى تبدأ بنصيبك من الدنيا فبالحري أن لا تدرك واحدا منهما ، قال : قلت : من أنت رحمك الله؟ قال : أنا معاذ بن جبل.
أخبرنا خالي أبو المعالي القاضي ، أنا أبو الحسن الخلعي ، أنا أبو العباس منير بن أحمد الشاهد ، نا أبو الحسن علي بن أحمد بن إسحاق البغدادي ـ قراءة عليه ـ نا أبو عمرو مقدام بن داود (٤) بن عيسى بن تليد الرعيني ـ إملاء ـ نا أسد بن موسى ، نا بكر بن خنيس ، عن السّري بن إسماعيل عن الشعبي (٥) ، عن معاذ بن جبل قال :
ما خلق الله من يوم ولا ليلة إلّا وللعبد فيه رزق معلوم ، بينه وبينه ستر (٦) ، فإن هو أجمل في الطلب وفّاه الله رزقه ولم يهتك ستره ، وإن هو لم يجمل في الطلب هتك الستر ولم يزد على رزقه الذي رزقه الله شيئا.
__________________
(١) كتب بعدها في «ز» ، ود : إلى.
(٢) كذا بالأصل والنسخ : جائي ، بإثبات الياء.
(٣) في م ، و «ز» ، ود : فتنتظمه.
(٤) قوله : «بن داود» مكانه بياض في «ز».
(٥) في «ز» : السري بن إسماعيل التغلبي عن معاذ بن جبل.
(٦) قوله : «وبينه ستر» مكانه بياض في «ز» ، وكتب على هامشها : طمس وبياض في م.