كان معاذ بن جبل من أحسن الناس وجها ، وأحسنه خلقا ، وأسمحه كفا ، فادّان دينا كثيرا ، فلزمه غرماؤه حتى تغيّب عنهم أياما في بيته ، حتى استأدى غرماؤه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى معاذ يدعوه ، فجاءه ومعه غرماؤه ، فقالوا : يا رسول الله ، خذ لنا حقّنا منه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [رحم الله من تصدق عليه ، قال : فتصدق عليه ناس وأبى آخرون ، فقالوا : يا رسول الله ، خذ لنا حقنا. فقال رسول الله :](١) «اصبر لهم يا معاذ» ، قال : فخلعه (٢) رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ماله فدفعه إلى غرمائه ، فاقتسموه بينهم ، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم ، قالوا : يا رسول الله بعه لنا ، قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خلوا عنه ، فليس لكم إليه سبيل» ، فانصرف معاذا إلى بني سلمة ، فقال له قائل : يا أبا عبد الرّحمن ، لو سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقد أصبحت اليوم معدما ، قال : ما كنت لأسأله ، قال : فمكث يوما ثم دعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فبعثه إلى اليمن ، وقال : «لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك».
قال : فخرج معاذ إلى اليمن ، فلم يزل بها حتى توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فوافى السنة التي حجّ فيها عمر بن الخطّاب ، استعمله أبو بكر على الحجّ ، فالتقيا يوم التروية بمنى ، فاعتنقا ، وعزّى كلّ واحد منهما صاحبه برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم أخلدا إلى الأرض يتحدّثان ، فرأى عمر عند معاذ غلمانا ، فقال : ما هؤلاء يا أبا عبد الرّحمن؟ قال : أصبتهم في وجهي هذا ، فقال عمر : من أي وجه؟ قال : أهدوا إليّ وأكرمت بهم ، فقال عمر : اذكرهم لأبي بكر ، فقال معاذ : ما ذكري هذا لأبي بكر ، ونام معاذ ، فرأى في النوم كأنه على شفير النار ، وعمر آخذ بحجزته من ورائه يمنعه أن يقع في النار ، ففزع معاذ ، فقال : هذا ما أمرني به عمر ، فقدم معاذ ، فذكرهم لأبي بكر ، فسوّغه أبو بكر ذلك ، وقضى بقية غرمائه ، وقال : إنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لعل الله يجبرك» [١٢١٩٦].
أخبرنا (٣) أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو القاسم عيسى بن علي ، أنا عبد الله بن محمّد ، نا عبيد الله (٤) بن سعد الزهري ، نا عمي ، نا سيف بن عمر ، عن سهل بن يوسف بن سهل الأنصاري ، عن أبيه ، عن عبيد بن صخر بن لوذان وكان ممن بعث النبي صلىاللهعليهوسلم من عمّال اليمن قال :
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل و «ز» ، وم ، ود ، واستدرك للإيضاح عن طبقات ابن سعد.
(٢) أي أنه صلىاللهعليهوسلم أعطاهم ماله كلّه.
(٣) كتب فوقها في «ز» ، ود : ملحق.
(٤) في «ز» ، ود ، وم : عبد الله.