قال : فلما أصبح معاذ انطلق إلى عمر فقال : ما أراني إلّا فاعل الذي قلت ، إني رأيتني البارحة في النوم أحسب ـ عبد الرزّاق قال : أجرّ ـ إلى النار وأنت آخذ بحجزتي ، قال : فانطلق إلى أبي بكر بكلّ شيء جاء به ، حتى جاءه بسوطه ، وحلف له أنه لم يكتمه شيئا ، قال : فقال أبو بكر : هو لك ، لا آخذ منه شيئا.
حدّثنا أبو بكر وجيه بن طاهر ـ لفظا ـ أنا أبو حامد بن الشرقي ، نا محمّد بن يحيى الذهلي ، نا عبد الرزّاق ، أنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن كعب بن مالك قال (١) :
كان معاذ بن جبل سمحا شابا جميلا من أفضل شباب قومه ، وكان لا يمسك شيئا ، فلم يزل يدّان حتى أغلق ماله كله من الدّين ، فأتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فطلب إليه أن يسأل غرماءه أن يضعوا له ، فأبوا ، فلو تركوا لأحد من أجل أحد تركوا لمعاذ من أجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فباع النبي صلىاللهعليهوسلم ماله كله في دينه ، حتى قام معاذ بغير شيء ، حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه النبي صلىاللهعليهوسلم على طائفة من اليمن أميرا ليجبره (٢) ، فمكث معاذ باليمن أميرا ، فكان أوّل من تجر في مال الله هو ، فمكث حتى أصاب وحتى قبض النبي صلىاللهعليهوسلم.
فلما قدم قال عمر لأبي بكر : أرسل إلى هذا الرجل ، فدع له ما يغنيه ، وخذ سائره منه ، قال أبو بكر : إنّما بعثه النبي صلىاللهعليهوسلم ليجبره ، ولست بآخذ منه شيئا إلّا أن يعطيني ، فانطلق عمر إلى معاذ ، إذ لم يطعه أبو بكر ، فذكر ذلك عمر لمعاذ فقال معاذ : إنّما أرسلني النبي صلىاللهعليهوسلم ليجبرني ، ولست بفاعل ، ثم لقي عمر فقال : قد أطعتك ، وأنا فاعل الذي أمرتني به ، إنّي رأيت في المنام أنّي في حومة ما قد خشيت الغرق ، فخلصتني منه يا عمر ، فأتى معاذ أبا بكر ، فذكر ذلك له ، وحلف أنه لم يكتمه شيئا ، حتى بيّن له سوطه ، فقال أبو بكر : والله لا آخذه منك ، قد وهبته لك ، فقال عمر هذا حين طاب وحلّ ، قال : فخرج معاذ عند ذلك إلى الشام.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن عمر ، أنا أبو عمر الخزاز ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن محمّد ، نا ابن سعد (٣) ، أنا محمّد بن عمر ، حدّثني عيسى بن النعمان ، عن معاذ بن رفاعة ، عن جابر بن عبد الله قال :
__________________
(١) حلية الأولياء ١ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ وسير أعلام النبلاء ١ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤.
(٢) تحرفت في «ز» إلى : «ليجير».
(٣) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ٥٨٧ ـ ٥٨٨ ومختصرا ـ نقلا عن الواقدي ـ في سير الأعلام ١ / ٤٥٤ وأسد الغابة ٤ / ٤١٩.