فلم يزل يدّان حتى أغرق ماله كله في الدين ، قال : فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فكلّم غرماءه ، فلو تركوا لأحد من أجل أحد لتركوا معاذا من أجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فباع لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ماله حتى قام معاذ بغير شيء.
أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، وأبو محمّد هبة الله بن سهل الفقيهان ، قالا : أنا أبو عثمان البحيري ، أنا أبو عمرو بن حمدان ، أنا الحسن بن سفيان ، نا إبراهيم بن معاوية البصري (١) ، نا هشام بن يوسف ـ قاضي اليمن ـ عن معمر عن ابن شهاب ، عن ابن كعب بن مالك ، عن أبيه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حجر على معاذ ماله ، وباعه في دين كان عليه.
وهذه الآثار مختصرة.
مما أخبرناه أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو بكر البيهقي (٢) ، أنا أبو محمّد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبّار السكري ـ ببغداد ـ أنا إسماعيل بن محمّد الصفّار ، نا أحمد بن منصور ، نا عبد الرزّاق ، أنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن كعب بن مالك قال :
كان معاذ بن جبل شابا جميلا ، سمحا ، من خيار شباب قومه ، لا يسأل شيئا إلّا أعطاه ، حتى دان عليه دين أغلق ماله ، فكلّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أن يكلّم له غرماءه ، ففعل ، فلم يضعوا له شيئا ، فلو ترك لأحد بكلام أحد ، لترك لمعاذ بكلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال : فدعاه النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلم يبرح أن باع ماله وقسمه بين غرمائه ، قال : فقام معاذ ولا مال له.
قال : فلما حج رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث معاذا إلى اليمن ليجبره ، قال : فكان أوّل من تجر في هذا المال معاذ.
قال : فقدم على أبي بكر من اليمن ، وقد توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فجاءه عمر وقال : هل لك أن تطيعني ، تدفع هذا المال إلى أبي بكر ، فإن أعطاكه فاقبله ، قال : فقال معاذ : لم أدفعه إليه ، وإنّما بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليجبرني؟ فلمّا أبى عليه انطلق عمر [إلى أبي بكر](٣) فقال : أرسل إلى هذا الرجل ، فخذ منه ودع له ، فقال أبو بكر : ما كنت لأفعل ، إنّما بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليجبره فلست آخذ منه شيئا.
__________________
(١) إعجامها مضطرب بالأصل وتقرأ : النضري ، والمثبت عن د ، وم ، و «ز».
(٢) رواه البيهقي في دلائل النبوة ٥ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦.
(٣) الزيادة استدركت عن هامش الأصل ، وبعدها صح.