الملك خواصه كعادته واستشارهم. فقالوا : لم نرض ربنا كما ينبغي فلهذا سقطت كعادتها (١) ، والرأي بنائها مرة أخرى.
فبنوها مرة ثالثة وزخرفوها أعظم مما تقدم وحفها جميعها بصلبان الذهب والفضة.
ثم دخلها قساوستهم ورهبانهم وشمامستهم بعد أن اغتسلوا وتطيبوا فلما دخلوها أشركوا كعادتهم ، وكما فعل من قبلهم ، فسقطت عليهم القبة مرة أخرى.
قال : فجمعهم ملكهم مرة رابعة واستشارهم فيما يصنع ، وكثر خوضهم في ذلك.
فبينما هم في ذلك إذ أقبل عليهم شيخ كبير السن ، وعليه برانس سود وعمامة سوداء ، قد انحنى ظهره ، يتوكأ على عصاه.
فقال لهم : يا معشر النصارى إليّ ، فإني أكبركم سنا وقد خرجت من متعبدي لأخبركم : أن هذا المكان لعن أصحابه ، والقدس قد تحول إلى هذا الموضع الذي بنى فيه القمامة ، وأنا أريكم الموضع ثم لم تروني بعد ذلك ، وأراهم مكان القمامة ، ثم غاب عن أعينهم.
وكان بينهم بعد أن أغواهم وأضلهم وزادهم طغيانا ، وأمرهم أن يفعلوا صخرة بيت ويبنوا بحجارتها الموضع الذي أمرهم ببنائه.
فبينما هو يكلمهم إذ اختفى عنهم فلم يروه ، فازدادوا كفرا وطغيانا ، وتكلموا فيه كلاما كثيرا وقالوا فيه قولا عظيما. فخربوا المسجد وحملوا ما كان فيه من آلات البناء وغيرها ، وبنوا (٢) القمامة والكنيسة التي / كانت بوادي النار.
وكان لعنه الله أوصاهم إذا فرغوا من تخريب الصخرة وبنوا قمامتهم أن يتخذوا المسجد الأقصى والصخرة مزبلة لزبالتهم ولقاذوراتهم (٣)
ففعلوا ذلك حتى كانت المرأة ترسل حيضها من القسطنطينية فيلقوه على الصخرة والمسجد. ودأبوا على ذلك حتى بعث الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم وأسرى به إليها ، وذكر له فضلها ، وفتحت على يد عمر بن الخطاب والصحابة صلحا. فلما قدم من المدينة المشرفة إلى القدس الشريف ورأوه أهل البلد بعد حصار شديد تقدم قبل حضوره. فلما حضر كتب له أهل البلد من عظمائها ورضى أهلها : هذا كتاب لعبد الله عمر ، من نصارى مدينة القدس ، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم
__________________
(١) في المخطوط : كعادتهم ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : فيه ، وهو تحريف.
(٣) في المخطوط : الغادوراتهم ، بالغين والدال المهملة وهو تحريف.