ماسوية ، وتوجه إلى الدولة البيزنطية وأقام بها فترة من الوقت درس خلالها اللغة اليونانية ، وعاد إلى العراق ودرس اللغة العربية دراسة مستفيضة على الخليل بن أحمد ، ثم عاد إلى بغداد ، ومكنته معرفته القوية باللغتين اليونانية والعربية من القيام بنشاط كبير فى حركة الترجمة ، فنقل كتاب أقليدس وكتاب المجسطى لبطليموس وكتاب أبولونيوس فى المخروطات ولخص مؤلفات أفلاطون وسقراط وجالينوس ، ونقلها إلى العربية ، ولم يكن مجرد مترجم للكتب التى أشرنا إليها ، بل كان يعلق عليها ، ويوضح ما فيها ، ويلخص ما يحتاج إلى تلخيص ، وبيوبها ، وبالجملة كان خير ما قدم خلاصة الفكر اليونانى إلى المثقفين العرب ، وبالإضافة إلى ما قام به من ترجمة ، فقد صنف أكثر من خمسة وعشرين كتابا (١).
ومن أبرز مترجمى المأمون من أهل الذمة يوحنا بن البطريق ، وكان أمينا على ترجمة الكتب العلمية حسن التأدية للمعانى ، وكانت الفلسفة أغلب عليه من الطب (٢) ، وعنى المأمون بعقد مجالس علمية فى قصره يناظر فيها العلماء على اختلاف تخصصاتهم ، وكان أغلب علماء العلوم العقلية من أهل الذمة (٣).
من أبرز المهن التى عمل بها أهل الذمة فى بغداد ـ لا سيما النصارى ـ مهنة الطب ، فقد برعوا فى تشخيص الأمراض ، ووصف العلاج الناجع لها ونقلوا الكتب الطبية من اللغة اليونانية إلى العربية ، وانكبوا على دراستها ، وإضافة الجديد لها مما يتمشى مع خلاصة تجاربهم وقراءاتهم. ومن أشهر أطباء المنصور جيورجيس بن بختيشوع استدعاه المنصور لما ألم به مرض شديد ، وكان رئيسا لمستشفى جنديسابور فحضر إليه مع تلميذه عيسى بن شهلاتا ، ودعا للمنصور بالفارسية والعربية ، فأعجب المنصور من حسن منطقه ، وعالج المنصور وأحسن علاجه ، فأمر له بخلعة جليلة ، وأمر بإنزاله فى أجمل موضع وأكرمه كما يكرم
__________________
(١) القفطى : إخبار العلماء بأخبار الحكماء ص ١٤٤.
(٢) ابن العبرى : تاريخ مختصر الدول ص ٣٣٦ ، ٣٣٩.
(٣) المصدر السابق ٢١٤.