٣ ـ النشاط التجارى :
لم يأل الخلفاء العباسيون جهدا فى سبيل تشجيع التجارة على اعتبار أنها مصدر هام من مصادر الثروة.
وكانت التجارة داخل بغداد مركزها الأسواق ، وقد حرض الخليفة المنصور عند تأسيس مدينة بغداد على انعاش الحالة التجارية فيها فأمر المشرفين على تشييدها أن يراعوا فى تخطيط المدينة ما يحتاجه كل ربض من أسواق وحوانيت ، وأن يتوسعوا فى إنشاء الحوانيت ليكون فى كل ربض سوق جامعة تجمع التجارات ، «وكان لكل نوع من التجارة شوارع معلومة وصفوف فى هيئة الشوارع وحوانيت ، وليس يختلط قوم بقوم ولا تجارة بتجارة ، ولا يباع صنف مع غير صنف ، ولا يختلط كل فئة من التجار بغيرهم ، وكل سوق مفرده وكل أهل منفردين بتجارتهم» (١).
ازدهرت التجارة فى أسواق بغداد حتى أن الكبش كان يباع بدرهم والحمل بأربعة دوانق ، وينادى على لحم الغنم كل ستين رطلا بدرهم ، ولحم البقر كل تسعين رطلا بدرهم ، والتمر كل ستين رطلا بدرهم ، والزيت ستة عشر رطلا بدرهم ، والسمن ثمانية أرطال بدرهم ، والعسل عشرة أرطال بدرهم ، ولهذا الأمن والرخص كثر سكان بغداد ، وكثر الدارج فى أسواقها ، حتى أن المار لا يستطيع أن يجتاز أسواقها لكثرة زحام أهلها (٢).
على أن المنصور لم يلبث أن أمر التجار بالخروج من المدينة ، كما سبق أن أوضحنا ـ وأمر ببناء سوق للتجار ما بين الصراة ونهر عيسى (٣) ، وشيد بحيث يكون صفوفا ، ورتب كل أهل تجارة فى موضع ، وأمر بجعل سوق القصابين فى آخر السوق لأن فى أيديهم الحديد (٤). وهذا السوق الجديد يعرف بالكرخ ، وكان
__________________
(١) اليعقوبى : البلدان ص ، ٢٣٠
(٢) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ، ٩٩
(٣) ياقوت : معجم البلدان ج ٧ ص ، ٢٢٣
(٤) اليعقوبى : البلدان ص ، ٢٥٠