ضيافة لمبيت الزوار ، وعابرى السبيل ، ويقضى للنصارى فى بغداد أعيادهم فى ديارات معروفة ، ولا يبقى أحد من يحب اللهو إلا تبعهم ، والواقع أن الديارات كانت أماكن مناسبة جدا للنزهة والترفيه ، فكانت تقع فى أماكن غاصة بالبساتين والشجر والنخل والرياحين ، لذلك حرص المسلمون من أهل بغداد على قضاء أوقات فراغهم بها ، وعقد مجالس اللهو هناك (١) ومن أقرب الديارات إلى مدينة بغداد دير قوطا فى قرية البردان على شاطئ دجله ، ويفصله عن بغداد بساتين ومنتزهات متتابعة (٢).
ومن أشهر بيع بغداد بيعة سمالو وبيعة درب دينار ، وبيعة درب القراطيس ، وبيعة سوق الثلاثاء (٣) ، على أن الحرب بين قوات الأمين وقوات المأمون قد ألحقت الكثير من التخريب والتدمير بكنائس بغداد وأديرتها (٤).
ساهم أهل الذمة فى بغداد فى إزدهار الحركة العلمية فى العصر العباسى الأول ونشر المعرفة ، فأسسوا المدارس وقاموا بالتدريس لأبناء كبار رجال بغداد ، وترجموا الكتب من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية ذلك أن الخلفاء العباسيين الأوائل عنوا بترجمة الكتب العلمية واستعانوا بأهل الذمة فى حركة الترجمة هذه ، وقدر الخلفاء جهودهم ومنحوهم الرواتب الجزيلة ، وكان الخلفاء يرسلون العلماء الموثوق بهم من أهل الذمة إلى الدولة البيزنطية لابتياع طرائف الكتب وغرائب المصنفات فى الفلسفة والهندسة والموسيقى والطب ويعهدون إلى التراجمة من أهل الذمة بنقل هذه الكتب إلى العربية (٥).
ومن أشهر من ساهم فى حركة الترجمة بنصيب موفور من أهل الذمة ، حنين ابن إسحاق ، نشأ على حب العلم ، وتتلمذ على الطبيب الحاذق يوحنا بن
__________________
(١) الشابستى : الديارات ص ٣ ، ٩ ، ١٦ ، ١٨ ، ٣٠.
(٢) المصدر السابق ص ٤١.
(٣) روفائيل بأبو إسحق : تاريخ نصارى العراق ص ٦٩.
(٤) ابن النديم : الفهرست : ص ٣٣٩.
(٥) Hitti : Hist.of the Arabs.p.٧٢٣.