هذه المناقشة كان الخليفة يتلطف ويقول للإمام أحمد أجبنى إلى هذا حتى أجعلك من خاصتى ومن يطأ بساطى ، ولكن الإمام أصر على وجه نظره ، واحتج على مناظريه حين أنكروا الآثار بقوله (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) سورة مريم الأية ٤٢ ، وبقوله تعالى (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) سورة النساء الأية ١٦٤ ونحو ذلك من الآيات البينات ، فلما لم يقم لهم معه حجة طلبوا من الخليفة عقابه ، فضرب بالسوط ، على أن المعتصم ندم على ضربه ، وأرسل إليه طبيبا فى منزله لعلاجه ، وجعل يسأل النائب عنه ، والنائب يستعلم خبره ، فلما عوفى فرح المعتصم والمسلمون بذلك (١).
بلغ من اهتمام المعتصم بحمل الناس على القول بخلق القرآن. أن أمر عماله بتعليم الصبيان ما ذهب إليه. وعزل كل من يلى وظيفة يقول بغير مقالته. ولما ولى الواثق الخلافة سار على سياسة أبيه فى حمل الناس على القول بخلق القرآن.
ظل الناس فى بغداد وفى سائر الدولة العباسية يحملون على القول بخلق القرآن حتى ولى المتوكل الخلافة فعارض مذهب المعتزلة. وأمر بوقف الكلام والمناقشات فى موضوع خلق القرآن ، وفى آراء المعتزلة وأقوالهم أيضا ، وبذلك انتهى ما أسماه المؤرخون المسلمون محنة القرآن.
العلوم الأدبية :
لما تأسست بغداد أقبل عليها العلماء والأدباء خصوصا من البصرة والكوفة ، وأقاموا بها. وحظوا بتشجيع الخلفاء وكبار رجال الدولة ، وساهموا بنصيب كبير فى ازدهار الحياة الأدبية فى بغداد ، ومن أشهر أدباء بغداد ، الأصمعى الذى نشأ بالبصرة ، وتتلمذ على علمائها واستفاد منهم ، ثم إلى البادية ، وحفظ الكثير من أقوال العرب ونوادرهم وأشعارهم «ورحل إلى بغداد. حيث استقر به المقام هناك ، ونال شهرة كبيرة لمقدرته الفائقة على شغل أوقات الخلفاء وكبار رجال الدولة بالمسامرات الشيقة ، واتصل بالرشيد ونادمه ، وأخذ الكثير من الأدباء عنه
__________________
(١) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١ ص ٣٤١ ـ ٣٤٢.