ويرسل النصف الآخر إلى بيت المال بخلاف ما كان الحال عليه بالنسبة للنصارى الذين كانوا يؤدون الضرائب لبيت المال مباشرة (١).
أذن الخلفاء العباسيون للنصارى واليهود بتشييد كنائس ودور عبادة لهم ، فوافق الخليفة المهدى على تشييد كنيسة للنصارى فى محلة الروم بالجانب الشرقى من بغداد ـ الرصافة ـ وتقضى القاعدة الفقهية بترك البيع والكنائس لأهل الذمة ، وبخروج النصارى بالصلبان أيام أعيادهم ، ومن حق أهل الذمة على المسلمين حقن دمائهم ، ويقاتل المسلمون من ناوأهم من عدوهم ، ويذبوا عنهم (٢).
وبلغ من تسامح بعض الخلفاء أن يحضر مواكبهم وأعيادهم. ويأمر بصيانتها ، ففى أيام الرشيد كان النصارى يخرجون فى بغداد يوم عيد الفصح فى موكب كبير وبين أيديهم الصليب ، إلا أنهم كانوا يخرجون بلا رايات (٣) ، وكان أهل الذمة يقيمون حفلاتهم الدينية بحرية تامة يظهر فيها اللهو والطرب ، ويبلغ السرور أقصاه ، ويشاركهم المسلمون فى هذه الاحتفالات. وكان الخليفة المأمون يهتم بالنظر فى أمور أهل الذمة ، ويعقد مجلسا استشاريا يتألف من ممثلى جميع الطوائف ، ويستمع إلى مطالبهم ، ويعمل على تحقيقها (٤).
ولا أدل على تسامح الخلفاء من أنهم تركوا أرقاءهم وجواربهم على ملتهم ، وكان المهدى جارية نصرانية ، ترتدى رداءها القومى وتعلق فى صدرها صليبا من ذهب (٥).
وكانت الأديرة المسيحية منتشرة فى جميع أنحاء بغداد حتى لم تخل منها ناحية ، ويقم فيها للنصارى شعائرهم الدينية فى أمن وطمأنينة ، وتحاط بالأسوار العالية والأبواب الحديدية وتأوى اللاجئ إليها والمجتاز بها ، وأقام رهبانها دور
__________________
(١) متز : الحضارة الإسلامية ج ١ ص ٥٨.
(٢) أبو يوسف : الخراج ص ٨٠.
(٣) روفائيل بأبو إسحق : تاريخ نصارى العراق ص ٢٠.
(٤) المصدر السابق.
(٥) ابن رسته : الأعلاق النفسية ص ٢١٣.