نشطت حركة الترجمة فى عهد الخليفة المأمون. ولم يكتف بترجمة الكتب المتوفرة لديه ، بل أرسل إلى الامبراطور البيزنطى «تيوفيل» يطلب منه إرسال كتب الحكمة إليه ، فلما وصلته هذه الكتب ، اختار لها مهرة التراجمة وكلفهم بإحكام ترجمتها فترجمت له. ثم حث الناس على قراءتها (١).
وكان يوحنا بن البطريق أمينا على ترجمة الكتب الحكمية ، حسن التأدية للمعانى ، وكانت الفلسفة أغلب عليه من الطب ، ويذكر ابن النديم (٢) أن المأمون أرسل بعثة إلى القسطنطينية لشراء الكتب العلمية المخزونة ، وكانت البعثة تتكون من يوحنا بن ماسويه وحنين بن إسحاق فجاءوا بطرائف الكتب وغرائب المصنفات فى الفلسفة والهندسة والموسيقى والطب ، وقد شرع حنين فى نقل الكتب عن اليونانية إلى المغنين السربانية والعربية ، ولقد أهله تعمقه فى اللغة اليونانية لنقل إلى العربية ونقل عن أفلاطون وأرسطو وأبقراط ، وترجم لبطليموس.
أما إسحاق بن حنين فكان أوحد عصره فى علم الطب ، وكاد يلحق بأبيه فى البراعة فى الترجمة ، إلا أنه ترجم لأرسطو وغيره من الفلاسفة وأكثر ما ترجم فى الطب (٣) وقد يسر مهمة البعثة تلك العلاقات الودية التى سادت بين الدولتين العباسية والبيزنطية قبل سنة ٢١٢ ه أى قبل أن تناصر الدولة البيزنطية بابك الخرمى الثائر على الدولة العباسية (٣).
ويبدو أن البعثة كانت تتكون من طوائف ثلاثة بعثة الكتب الفلسفية ويرأسها يوحنا بن البطريق ، وكان فيلسوفا أكثر منه طبيبا (٤) ، وقد تولى ترجمة كتب أرسطو خاصة ، وطائفة للكتب الفلكية والرياضية ويرأسها الحجاج بن مطر. وكان مختصا فى هذا الفرع وهو الذى نقل المجسطى وأقليدس ، وطائفة للكتب
__________________
(١) ابن العبرى : تاريخ مختصر الدول ص ٢٣٦.
(٢) الفهرست ص ٣٤٩.
(٣) ابن النديم : الفهرست ص ٣٣٩.
(٣) ابن النديم : الفهرست ص ٣٣٩.
(٤) القفطى : أخبار العلماء باخبار الحكماء ص ٢٧٩.