كانت من العذر ، فمعنى (وَلَوْ أَلْقى) : أي نطق بمعاذيره وقالها. وقيل : ولو رمى بأعذاره واستسلم. وقال السدي : ولو أدلى بحجة وعذر. وقيل : ولو أحال بعضهم على بعض ، كقوله تعالى : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) (١) ؛ والعذرة والعذرى : المعذرة ، قال الشاعر :
ها إن ذي عذرة إن لا تكن نفعت
وقال فيها : ولا عذر لمجحود. (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) : الظاهر والمنصوص الصحيح في سبب النزول أنه خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم على ما سنذكر إن شاء الله تعالى. وقال القفال : هو خطاب للإنسان المذكور في قوله : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ) (٢) ، وذلك حال تنبئه بقبائح أفعاله ، يعرض عليه كتابه فيقال له : اقرأ كتابك ، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. فإذا أخذ في القراءة تلجلج من شدّة الخوف وسرعة القراءة ، فقيل له : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) ، فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك عليك وأن نقرأها عليك. (فَإِذا قَرَأْناهُ) عليك ، (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) بأنك فعلت تلك الأفعال. (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) : أي بيان أمره وشرح عقوبته. وحاصل قول هذا القول أنه تعالى يقرر الكافر على جميع أفعاله على التفصيل ، وفيه أشد الوعيد في الدنيا والتهويل في الآخرة.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس : أنه عليه الصلاة والسلام كان يعالج من التنزيل شدّة ، وكان بما يحرك شفتيه مخافة أن يذهب عنه ما يوحى إليه لحينه ، فنزلت. وقال الضحاك : السبب أنه كان عليه الصلاة والسلام كان يخاف أن ينسى القرآن ، فكان يدرسه حتى غلب ذلك عليه وشق ، فنزلت. وقال الشعبي : كان لحرصه عليه الصلاة والسلام على أداء الرسالة والاجتهاد في عبادة الله ربما أراد النطق ببعض ما أوحي إليه قبل كمال إيراد الوحي ، فأمر أن لا يعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه ، وجاءت هذه الآية في هذا المعنى. والضمير في به للقرآن دل عليه مساق الآية. (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) : أي في صدرك ، (وَقُرْآنَهُ) : أي قراءتك إياه ، والقرآن مصدر كالقراءة ، قال الشاعر :
ضحوا بأشمط عنوان السجود به |
|
يقطع الليل تسبيحا وقرآنا |
وقيل : وقرآنه : وتأليفه في صدرك ، فهو مصدر من قرأت : أي جمعت ، ومنه قولهم للمرأة التي لم تلد : ما قرأت سلاقط ، وقال الشاعر :
ذراعي بكرة أدماء بكر |
|
هجان اللون لم تقرأ جنينا |
__________________
(١) سورة سبأ : ٣٤ / ٣١.
(٢) سورة القيامة : ٧٥ / ١٣.