شؤون يبديها ، لا شؤون يبتديها. وقال ابن بحر : هو في يوم الدنيا في الابتلاء ، وفي يوم القيامة في الجزاء. وانتصب (كُلَّ يَوْمٍ) على الظرف ، والعامل فيه العامل في قوله : (فِي شَأْنٍ) ، وهو مستقر المحذوف ، نحو : يوم الجمعة زيد قائم.
قوله عزوجل : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ، يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، ذَواتا أَفْنانٍ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ).
لما ذكر تعالى ما أنعم به من تعليم العلم وخلق الإنسان والسماء والأرض وما أودع فيهما وفناء ما على الأرض ، ذكر ما يتعلق بأحوال الآخرة الجزاء وقال : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) : أي ننظر في أموركم يوم القيامة ، لا أنه تعالى كان له شغل فيفرغ منه. وجرى على هذا كلام العرب في أن المعنى : سيقصد لحسابكم ، فهو استعارة من قول الرجل لمن يتهدده : سأفرغ لك ، أي سأتجرد للإيقاع بك من كل ما شغلني عنه حتى لا يكون لي شغل سواه ، والمراد التوفر على الانتقام منه. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون التوعد بعذاب في الدنيا ، والأول أبين. انتهى ، يعني : أن يكون ذلك يوم القيامة. وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد ستنتهي الدنيا ويبلغ آخرها ، وتنتهي عند ذلك شؤون الخلق التي أرادها بقوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ، فلا يبقى إلا شأن واحد وهو جزاؤكم ، فجعل ذلك فراغا لهم على طريق المثل. انتهى. والذي عليه أئمة اللغة أن فرغ تستعمل عند انقضاء الشغل الذي كان الإنسان مشتغلا به ، فلذلك احتاج قوله إلى التأويل على أنه قد قد قيل : إن فرغ يكون بمعنى قصد واهتم ، واستدل على ذلك بما أنشده ابن الأنباري لجرير :
الآن وقد فرغت إلى نمير |
|
فهذا حين كنت لهم عذابا |
أي : قصدت. وأنشد النحاس :