مثله ، ثم قال (وَوَدُّوا) بلفظ الماضي؟ قلت : الماضي ، وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب ، فإنه فيه نكتة كأنه قيل : وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم ، يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعا. انتهى. وكأن الزمخشري فهم من قوله : (وَوَدُّوا) أنه معطوف على جواب الشرط ، فجعل ذلك سؤالا وجوابا. والذي يظهر أن قوله : (وَوَدُّوا) ليس على جواب الشرط ، لأن ودادتهم كفرهم ليست مترتبة على الظفر بهم والتسلط عليهم ، بل هم وادون كفرهم على كل حال ، سواء أظفروا بهم أم لم يظفروا ، وإنما هو معطوف على جملة الشرط والجزاء ، أخبر تعالى بخبرين : أحدهما اتضاح عداوتهم والبسط إليهم ما ذكر على تقدير الظفر بهم ، والآخر ودادتهم كفرهم ، لا على تقدير الظفر بهم.
ولما كان حاطب قد اعتذر بأن له بمكة قرابة ، فكتب إلى أهلها بما كتب ليرعوه في قرابته ، قال تعالى : (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) : أي قراباتكم الذين توالون الكفار من أجلهم ، وتتقربون إليهم محاماة عليهم. ويوم معمول لينفعكم أو ليفصل. وقرأ الجمهور ؛ (يَفْصِلُ) بالياء مخففا مبنيا للمفعول. وقرأ الأعرج وعيسى وابن عامر : كذلك إلا أنه مشدد ، والمرفوع ، إما (بَيْنَكُمْ) ، وهو مبني على الفتح لإضافته إلى مبني ، وإما ضمير المصدر المفهوم من يفصل ، أي يفصل هو ، أي الفصل. وقرأ عاصم والحسن والأعمش : يفصل بالياء مخففا مبنيا للفاعل ؛ وحمزة والكسائي وابن وثاب : مبنيا للفاعل بالياء مضمومة مشددا ؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة : كذلك إلا أنه بالنون مشددا ؛ وهما أيضا وزيد بن علي : بالنون مفتوحة مخففا مبنيا للفاعل ؛ وأبو حيوة أيضا : بالنون مضمومة ، فهذا ثماني قراءات.
ولما نهى عن موالاة الكفار ، ذكر قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وأن من سيرته التبرؤ من الكفار ليقتدوا به في ذلك ويتأسوا. وقرأ الجمهور : إسوة بكسر الهمزة ، وعاصم بضمها ، وهما لغتان. (وَالَّذِينَ مَعَهُ) ، قيل : من آمن به. وقال الطبري وغيره : الأنبياء معاصروه ، أو كانوا قريبا من عصره ، لأنه لم يرو أنه كان له أتباع مؤمنون في مكافحته لهم ولنمروذ. ألا تراه قال لسارة حين رحل إلى الشام مهاجرا من بلد نمروذ : ما على الأرض من يعبد الله غيري وغيرك؟ والتأسي بإبراهيم عليهالسلام هو في التبرؤ من الشرك ، وهو في كل ملة وبرسولنا عليه الصلاة والسلام على الإطلاق في العقائد وأحكام الشرع. وقرأ الجمهور ؛ (بُرَآؤُا) جمع بريء ، كظريف وظرفاء ؛ وعيسى : براء جمع بريء أيضا ،