الضمير في (تُلْقُونَ) : أي توادونهم ، وهذه حالهم ، وهي الكفر بالله ، ولا يناسب الكافر بالله أن يودّ. وأجاز الزمخشري أن يكون حالا من فاعل (لا تَتَّخِذُوا).
وقرأ الجمهور : (بِما جاءَكُمْ) ، والجحدري والمعلى عن عاصم : لما باللام مكان الباء ، أي لأجل ما جاءكم. (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ) : استئناف ، كالتفسير لكفرهم ، أو حال من ضمير (كَفَرُوا) ، (وَإِيَّاكُمْ) : معطوف على الرسول. وقدّم على إياكم الرسول لشرفه ، ولأنه الأصل للمؤمنين به. ولو تقدّم الضمير لكان جائزا في العربية ، خلافا لمن خص ذلك بالضرورة ، قال : لأنك قادر على أن تأتي به متصلا ، فلا تفصل إلا في الضرورة ، وهو محجوج بهذه الآية وبقوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (١) وإياكم أن اتقوا الله ، وقدّم الموصول هنا على المخاطبين للسبق في الزمان وبغير ذلك من كلام العرب. و (أَنْ تُؤْمِنُوا) مفعول من أجله ، أي يخرجون لإيمانكم أو كراهة إيمانكم ، (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ) : شرط جوابه محذوف لدلالة ما تقدّم عليه ، وهو قوله : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي) ، ونصب جهادا وابتغاء على المصدر في موضع الحال ، أي مجاهدين ومبتغين ، أو على أنه مفعول من أجله. (تُسِرُّونَ) : استئناف ، أي تسرون وقد علمتم أني أعلم الإخفاء والإعلان ، وأطلع الرسول صلىاللهعليهوسلم على ذلك ، فلا طائل في فعلكم هذا. وقال ابن عطية : (تُسِرُّونَ) بدل من (تُلْقُونَ). انتهى ، وهو شبيه ببدل الاشتمال ، لأن الإلقاء يكون سرا وجهرا ، فهو ينقسم إلى هذين النوعين. وأجاز أيضا أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : أنتم تسرون. والظاهر أن (أَعْلَمُ) أفعل تفضيل ، ولذلك عداه بالباء. وأجاز ابن عطية أن يكون مضارعا عدى بالباء قال : لأنك تقول علمت بكذا. (وَأَنَا أَعْلَمُ) : جملة حالية ، والضمير في (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) ، الظاهر أنه إلى أقرب مذكور ، أي ومن يفعل الأسرار. وقال ابن عطية : يعود على الاتخاذ ، وانتصب سواء على المفعول به على تقدير تعدى ضل ، أو على الظرف على تقدير اللزوم ، والسواء : الوسط.
ولما نهى المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء ، وشرح ما به الولاية من الإلقاء بالمودة بينهم ، وذكر ما صنع الكفار بهم أولا من إخراج الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، ذكر صنيعهم آخرا لو قدروا عليه من أنه إن تمكنوا منكم تظهر عداوتهم لكم ، ويبسطوا أيديهم بالقتل والتعذيب ، وألسنتهم بالسب ؛ وودوا لو ارتددتم عن دينكم الذي هو أحب الأشياء إليكم ، وهو سبب إخراجهم إياكم. قال الزمخشري : فإن قلت : كيف أورد جواب الشرط مضارعا
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٣١.