وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ، عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
هذه السورة مدنية ، ونزلت بسبب حاطب بن أبي بلتعة ، كان قد وجه كتابا ، مع امرأة إلى أهل مكة يخبرهم بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم متوجه إليهم لغزوهم ؛ فأطلع الله رسوله صلىاللهعليهوسلم على ذلك ، ووجه إلى المرأة من أخذ الكتاب منها ، والقصة مشهورة في كتب الحديث والسير.
ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أنه لما ذكر فيما قبلها حالة المنافقين والكفار ، افتتح هذه بالنهي عن موالاة الكفار والتودّد إليهم ، وأضاف في قوله : (عَدُوِّي) تغليظا ، لجرمهم وإعلاما بحلول عقاب الله بهم. والعدو ينطلق على الواحد وعلى الجمع ، وأولياء مفعول ثان لتتخذوا. (تُلْقُونَ) : بيان لموالاتهم ، فلا موضع له من الإعراب ، أو استئناف إخبار. وقال الحوفي والزمخشري : حال من الضمير في (لا تَتَّخِذُوا) ، أو صفة لأولياء ، وهذا تقدّمه إليه الفراء ، قال : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) من صلة (أَوْلِياءَ). انتهى. وعندهم أن النكرة توصل ، وعند البصريين لا توصل بل توصف ، والحال والصفة قيد وهم قد نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقا ، والتقييد يدل على أنه يجوز أن يتخذوا أولياء إذا لم يكونوا في حال إلقاء المودة ، أو إذا لم يكن الأولياء متصفين بهذا الوصف ، وقد قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) (١) ، فدل على أنه لا يقتصر على تلك الحال ولا ذلك الوصف. والأولياء عبارة عن الإفضاء بالمودة ، ومفعول (تُلْقُونَ) محذوف ، أي تلقون إليهم أخبار رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأسراره. والباء في (بِالْمَوَدَّةِ) للسبب ، أي بسبب المودة التي بينهم. وقال الكوفيون : الباء زائدة ، كما قيل : في : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) : أي أيديكم. قال الحوفي : وقال البصريون هي متعلقة بالمصدر الذي دل عليه الفعل ، وكذلك قوله (بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) (٢) : أي إرادته بإلحاد. انتهى. فعلى هذا يكون (بِالْمَوَدَّةِ) متعلقا بالمصدر ، أي إلقاؤهم بالمودّة ، وهذا ليس بجيد ، لأن فيه حذف المصدر ، وهو موصول ، وحذف الخبر ، إذ إلقاؤهم مبتدأ وبما يتعلق به ، (وَقَدْ كَفَرُوا) جملة حالية ، وذو الحال
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٥١.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٢٥.