قالوا : امشوا ، أي أكثروا واجتمعوا ، من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها ؛ ومنه الماشية للتفاؤل. انتهى. وأمروا بالصبر على الآلهة ، أي على عبادتها والتمسك بها.
والإشارة بقوله : (إِنَّ هذا) أي ظهور محمد صلىاللهعليهوسلم ، وعلوه بالنبوة ، (لَشَيْءٌ يُرادُ) : أي يراد منا الانقياد إليه ، أو يريده الله ويحكم بإمضائه ، فليس فيه إلا الصبر ، أو أن هذا الأمر شيء من نوائب الدهر مراد منا ، فلا انفكاك عنه ، وأن دينكم لشيء يراد ، أي يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه ، احتمالات أربعة. وقال القفال : هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف ، المعنى : أنه ليس غرضه من هذا القول تقرير للدين ، وإنما غرضه أن يستولي علينا ، فيحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد. (ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) ، قال ابن عباس ، ومجاهد ، ومحمد بن كعب ، ومقاتل : ملة النصارى ، لأن فيها التثليث ، ولا توحد. وقال مجاهد ، وقتادة : ملة العرب : قريش ونجدتها. وقال الفراء ، والزجاج : ملة اليهود والنصرانية ، أشركت اليهود بعزير ، وثلث النصارى. وقيل : في الملة الآخرة التي كنا نسمع أنها تكون في آخر الزمان ، وذلك أنه قبل المبعث ، كان الناس يستشعرون خروج نبي وحدوث ملة ودين. ويدل على صحة هذا ما روي من أقوال الأحبار أولي الصوامع ، وما روي عن الكهان شق وسطيح وغيرهما ، وما كانت بنو إسرائيل تعتقد من أنه يكون منهم. وقيل : في الملة الآخرة ، أي لم نسمع من أهل الكتاب ولا الكهان أنه يحدث في الملة الآخرة توحيد الله. (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) : أي افتعال وكذب.
(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) : أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم وينزل عليه الكتاب من بينهم ، وهذا الإنكار هو ناشىء عن حسد عظيم انطوت عليه صدورهم فنطقت به ألسنتهم. (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) : أي من القرآن الذي أنزلت على رسولي يرتابون فيه ، والإخبار بأنهم في شك يقتضي كذبهم في قولهم : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ). (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) : أي بعد ، فإذا ذاقوه عرفوا أن ما جاء به حق وزال عنهم الشك. (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) : أي ليسوا متصرفين في خزائن الرحمة ، فيعطون ما شاؤوا ، ويمنعون من شاؤوا ما شاؤوا ، ويصطفون للرسالة من أرادوا ، وإنما يملكها ويتصرف فيها (الْعَزِيزِ) : الذي لا يغالب ، (الْوَهَّابِ) : ما شاء لمن شاء.
لما استفهم استفهام إنكار في قوله : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) ، وكان ذلك دليلا على انتفاء تصرفهم في خزائن رحمة ربك ، أتى بالإنكار والتوبيخ بانتفاء ما هو أعم