وتذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله : (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) ، فبعد لذلك عن إخوانه. انتهى. وفي بعض الكتب المنزلة ، أنا مرصاد الهمم ، أنا العالم بحال الفكر وكسر العيون. وقال مجاهد : خائنة الأعين : مسارقة النظر إلى ما لا يجوز ؛ ومثل المفسرون خائنة الأعين بالنظر الثاني إلى حرمة غير الناظر ، وما تخفي الصدور بالنظر الأول الذي لا يمكن رفعه.
(وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) : هذا يوجب عظيم الخوف ، لأن الحاكم إذا كان عالما بجميع الأحوال لا يقضي إلا بالحق في ما دق وجل خافه الخلق غاية. (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) : هذا قدح في أصنامهم وتهكم بهم ، لأن ما لا يوصف بالقدرة ، لا يقال فيه يقضي ولا يقضى. وقرأ الجمهور : (يَدْعُونَ) بياء الغيبة لتناسب الضمائر الغائبة قبل. وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، ونافع : بخلاف عنه ؛ وهشام : تدعون بتاء الخطاب ، أي قل لهم يا محمد. (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) : تقرير لقوله : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) ، وعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعملون وتعريض بأصنامهم أنها لا تسمع ولا تبصر. (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) : أحال قريشا على الاعتبار بالسير ، وجاز أن يكون فينظروا مجزوما عطفا على يسيروا وأن يكون منصوبا على جواب النفي ، كما قال :
ألم تسأل فتخبرك الرسوم
وتقدم الكلام على مثل هذه الجملة ، وحمل الزمخشري هم على أن يكون فصلا ولا يتعين ، إذ يجوز أن يكون هم توكيدا لضمير كانوا. وقرأ الجمهور : منهم بضمير الغيبة ؛ وابن عامر : منكم بضمير الخطاب على سبيل الالتفات. (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) : معطوف على قوة ، أي مبانيهم وحصونهم وعددهم كانت في غاية الشدة. (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) (١). وقال الزمخشري : أو أرادوا أكثر آثارا لقوله :
متقلدا سيفا ورمحا
انتهى. أي : ومعتقلا رمحا ، ولا حاجة إلى ادعاء الحذف مع صحة المعنى بدونه. (مِنْ واقٍ) : أي وما كان لهم من عذاب الله من ساتر بمنعهم منه. (ذلِكَ) : أي الأخذ ، وتقدم تفسير نظير ذلك.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ ، إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٤٩.