الأعمش ، ونصر بن عاصم. وقرىء : لا ترى ، بتاء مفتوحة للخطاب ، إلا مسكنهم بالتوحيد مفردا منصوبا ، واجتزئ بالمفرد عن الجمع تصغيرا لشأنهم ، وأنهم لما هلكوا في وقت واحد ، فكأنهم كانوا في مسكن واحد. ولما أخبر بهلاك قوم عاد ، خاطب قريشا على سبيل الموعظة فقال : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ) ، وإن نافية ، أي في الذي ما مكانهم فيه من القوة والغنى والبسط في الأجسام والأموال ؛ ولم يكن النفي بلفظ ما ، كراهة لتكرير اللفظ ، وإن اختلف المعنى. وقيل : إن شرطية محذوفة الجواب ، والتقدير : إن مكناكم فيه طغيتم. وقيل : إن زائدة بعد ما الموصولة تشبيها بما النافية وما التوقيتية ، فهي في الآية كهي في قوله :
يرجى المرء ما إن لا يراه |
|
وتعرض دون أدناه الخطوب |
أي مكناهم في مثل الذي مكناكم ، فيه ، وكونها نافية هو الوجه ، لأن القرآن يدل عليه في مواضع كقوله : (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً) (١) ، وقوله : (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) (٢) ، وهو أبلغ في التوبيخ وأدخل في الحث في الاعتبار. ثم عدد نعمه عليهم ، وأنها لم تغن عنهم شيئا ، حيث لم يستعملوا السمع والأبصار والأفئدة فيما يجب أن يستعمل. وقيل : ما استفهام بمعنى التقرير ، وهو بعيد كقوله : (مِنْ شَيْءٍ) ، إذ يصير التقدير : أي شيء مما ذكر أغنى عنهم من شيء ، فتكون من زيدت في الموجب ، وهو لا يجوز على الصحيح ، والعامل في إذ أغنى. ويظهر فيها معنى التعليل لو قلت : أكرمت زيدا لإحسانه إليّ ، أو إذ أحسن إليّ. استويا في الوقت ، وفهم من إذ ما فهم من لام التعليل ، وإن إكرامك إياه في وقت إحسانه إليك ، إنما كان لوجود إحسانه لك فيه.
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ ، وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ، قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ، يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ، وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٨٢.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٧٤.