لا منجا ولا فوت. فلما قدم لا وأخر حين اقتضى ذلك الواو ، كما تقتضي الحال إذا جعل مبتدأ وخبرا مثل : جاء زيد راكبا ، ثم تقول : جاء زيد وهو راكب ، فحين ظرف لقوله : (فَنادَوْا). انتهى. وكون أصل هذه الجملة : فنادوا حين لا مناص ، وأن حين ظرف لقوله : (فَنادَوْا) دعوى أعجمية مخالفة لنظم القرآن ، والمعنى على نظمه في غاية الوضوح ، والجملة في موضع الحال ، فنادوا وهم لات حين مناص ، أي لهم.
ولما أخبر تعالى عن الكفار أنهم في عزة وشقاق ، أردف بما صدر عنهم من كلماتهم الفاسدة ، من نسبتهم إليه السحر والكذب. ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله : (وَقالَ الْكافِرُونَ) ، أي : وقالوا تنبيها على الصفة التي أوجبت لهم العجب ، حتى نسبوا من جاء بالهدى والتوحيد إلى السحر والكذب. (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) ، قالوا : كيف يكون إله واحد يرزق الجميع وينظر في كل أمورهم؟ وجعل : بمعنى صير في القول والدعوى والزعم ، وذكر عجبهم مما لا يعجب منه. والضمير في (وَعَجِبُوا) لهم ، أي استغربوا مجيء رسول من أنفسهم. وقرأ الجمهور : (عُجابٌ) ، وهو بناء مبالغة ، كرجل طوال وسراع في طويل وسريع. وقرأ علي ، والسلمي ، وعيسى ، وابن مقسم : بشد الجيم ، وقالوا : رجل كرّام وطعام طياب ، وهو أبلغ من فعال المخفف. وقال مقاتل : عجاب لغة أزد شنوءة. والذين قالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) ، قال ابن عباس : صناديد قريش ، وهم ستة وعشرون.
(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) : الظاهر انطلاقهم عن مجلس أبي طالب ، حين اجتمعوا هم والرسول عنده وشكوه على ما تقدّم في سبب النزول ؛ ويكون ثم محذوف تقديره : يتحاورون. (أَنِ امْشُوا) ، وتكون أن مفسرة لذلك المحذوف ، وامشوا أمر بالمشي ، وهو نقل الأقدام عن ذلك المجلس. وقال الزمخشري : وأن بمعنى أي ، لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم ، فكان انطلاقهم مضمنا معنى القول والأمر بالمشي ، أي بعضهم أمر بعضا. وقيل : أمر الأشراف أتباعهم وأعوانهم. ويجوز أن تكون أن مصدرية ، أي وانطلقوا بقولهم امشوا ، وقيل : الانطلاق هنا الاندفاع في القول والكلام ، وأن مفسرة على هذا ، والأمر بالمشي لا يراد به نقل الخطا ، إنما معناه : سيروا على طريقتكم ودوموا على سيرتكم. وقيل : (امْشُوا) دعاء بكسب الماشية ، قيل : وهو ضعيف ، لأنه كان يلزم أن تكون الألف مقطوعة ، لأنه إنما يقال : أمشى الرجل إذا صار صاحب ماشية ؛ وأيضا فهذا المعنى غير متمكن في الآية. وقال الزمخشري : ويجوز أنهم