رأيتم أمرنا؟ قالوا : لم نر إلّا حسنا ، فقال الرجل الذي قال فى المرّة الأولى ما قال لهم : إنكم لن تزالوا تظهرون على كلّ من لقيتم حتى تقتلوا خيركم رجلا ، فغضب عمرو وأمر به فطلب إليه أصحابه وأخبروه أنه لا يدرى ما يقول حتى خلّصوه ، فلما بلغ عمرا قتل عمر بن الخطّاب أرسل فى طلب ذلك القبطىّ فوجده (١) قد هلك ، فعجب عمرو من قوله.
قال غير ابن وهب ، قال عمرو بن العاص : فلما طعن عمر بن الخطاب قلت هو ما قال القبطىّ ، فلما حدّثت أنه إنما قتله أبو لؤلؤة رجل نصرانىّ ، قلت : لم يعن هذا ، إنما عنى من قتله المسلمون ، فلما قتل عثمان عرفت أنّ ما قال الرجل حقّ.
قال أبى فى حديثه : فلما فرغوا من صنيعهم أمر عمرو بن العاص بطعام فصنع لهم وأمرهم أن يحضروا لذلك ، فصنع لهم الثريد والعراق وأمر أصحابه بلباس الأكسية واشتمال الصمّاء والقعود على الركب ، فلما حضرت الروم وضعوا كراسىّ الديباجّ (٢) فجلسوا عليها ، وجلست العرب إلى جوانبهم ، فجعل الرجل من العرب يلتقم اللقمة العظيمة من الثريد وينهش من ذلك اللحم فيتطاير على من إلى جنبه من الروم ، فبشعت الروم بذلك ، وقالوا : أين أولئك الذين كانوا أتونا قبل؟ فقيل لهم : أولئك أصحاب المشورة ، وهؤلاء أصحاب الحرب.
قال : وقد سمعت فى فتح القصر وجها غير هذا.
حدثنا عثمان بن صالح ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبى جعفر ، وعياش ابن عبّاس وغيرهما (٣) ، يزيد بعضهم على بعض ، أن عمرو بن العاص حصرهم بالقصر الذي يقال له بابليون (٤) حيّنا ، وقاتلهم قتالا شديدا يصبّحهم ويمسّيهم ، فلما أبطأ الفتح عليه ، كتب إلى عمر بن الخطّاب يستمدّه (٥) ويعلمه ذلك (٦) ، فأمدّه عمر بأربعة آلاف
__________________
(١) أ : «فوجدوه».
(٢) ب : «الروم».
(٣) ب ، ج ، د : «وغيرهم».
(٤) أ ، د ، ك : «باب اليون».
(٥) أ : «يستنجده».
(٦) ب : «بذلك».