ثم نفذ كلثوم وحبيب ، فلما انتهى إلى مطلوبه من أرض طنجة تلقّته البربر بجموعهم ، وعليهم خالد بن حميد الزناتى ثم الهتورىّ عراة متجرّدين ، ليس عليهم الا السراويلات ، وكانوا صفريّة ، وجاءوا جردين ، فأشار حبيب بن أبى عبيدة على كلثوم أن يقاتلهم الرجّالة بالرجّالة ، والخيل بالخيل ، فقال له كلثوم : ما أغنانا عن رأيك يا بن أمّ حبيب.
فوجّه بلج بن بشر على الخيل ليدوسهم بها ، وكانت الخيل أوثق فى نفس كلثوم من الرجّالة. وأن بلجا أسرى ليله (١) حتى واقعهم (٢) عند الصبح ، واستقبلوه عراة متجرّدين ، فحملت عليهم الخيل فصاحوا وولّوا ورموا بالأوصاف ، فانهزم بلج جريحا ، وتساقطت الخيول على كلثوم وقد تأهّب وعبّى أصحابه ، فأرسل إلى حبيب بن أبى عبيدة فقال : إنّ أمير المؤمنين أمرنى أن أولّيك القتال ، وأعقد لك على الناس. فقال حبيب : قد فات الأمر.
وزحفت رجّالة البربر على أثر الخيل حتى خالطوا كلثوما وأصحابه ، فأقسم حبيب على ابنه عبد الرحمن إلا ينزل راجلا ، وأن يلزم بلجا فيكون معه أسفا على بلج ، فإنّى مقتول ، وهلك كلثوم وحبيب ومن معهما ، وانهزم الناس إلى إفريقية. وكان قتل كلثوم فى سنة ثلاث وعشرين ومائة.
حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال : قتل كلثوم فى سنة أربع وعشرين ومائة ، قتلهم (٣) ميسرة ، وانهزم بلج بن بشر وثعلبة الجذامى وبقيّة من أهل الشأم إلى الأندلس ، فاتّبعهم أبو يوسف الهوّارىّ وكان طاغية من طواغى البربر فأدركهم ، فقاتلهم ، فقتل أبو يوسف ، وانهزم أصحابه ، ومضى بلج وثعلبة الى الأندلس.
وكان كلثوم قد كتب إلى أهل الأندلس وعليها عبد الملك بن قطن الفهرىّ ، يأمرهم بإمداده والخروج إليه ، فوافاهم بلج وقد وقعوا إلى مجاز الخضراء. وتقدّم عبد الرحمن بن حبيب أمام بلج إلى الأندلس ، فقدمها ، وأمر عبد الملك بن قطن ألّا يسمع لبلج ولا يطيعه ، ثم قدم بلج فأقام بالجزيرة ، وكتب إلى عبد الملك بن قطن يعلمه أنه
__________________
(١) ب : «ليلته».
(٢) ج : «وقفهم».
(٣) ج «قتله».