(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) نبه تعالى على جلالة الرسل ، وأنّ العالم يلزمهم طاعتهم ، والرسول منهم تجب طاعته. ولام ليطاع لام كي ، وهو استثناء مفرّغ من المفعول من أجله أي : وما أرسلنا من رسول بشيء من الأشياء إلا لأجل الطاعة. وبإذن الله أي بأمره ، قاله : ابن عباس. أو بعلمه وتوفيقه وإرشاده. وحقيقة الإذن التمكين مع العلم بقدر ما مكن فيه. والظاهر أن بإذن الله متعلق بقوله : ليطاع. وقيل : بأرسلنا أي : وما أرسلنا بأمر الله أي : بشريعته ، ودينه وعبادته من رسول إلا ليطاع. قال ابن عطية : وعلى التعليقين فالكلام عام اللفظ ، خاص المعنى ، لأنّا نقطع أنّ الله تبارك وتعالى قد أراد من بعض خلقه أن لا يطيعوه ، ولذلك خرجت طائفة معنى الإذن إلى العلم ، وطائفة خرجته إلى الإرشاد لقوم دون قوم ، وهو تخريج حسن. لأن الله إذا علم من أحد أنه يؤمن وفقه لذلك ، فكأنه أذن له انتهى. ولا يلزم ما ذكره من أن الكلام عام اللفظ خاص المعنى ، لأن قوله : ليطاع مبني للمفعول الذي لم يسم فاعله ، ولا يلزم من الفاعل المحذوف أن يكون عاما ، فيكون التقدير : ليطيعه العالم ، بل المحذوف ينبغي أن يكون خاصا ليوافق الموجود ، فيكون أصله : إلا ليطيعه من أردنا طاعته. وقال عبد الله الرازي : والآية دالة على أنه لا رسول إلا ومعه شريعة ليكون مطاعا في تلك الشريعة ، ومتبوعا فيها ، إذ لو كان لا يدعو إلا إلى شرع من قبله لم يكن هو في الحقيقة مطاعا ، بل المطاع هو الرسول المتقدم الذي هو الواضع لتلك الشريعة ، والله تعالى حكم على كل رسول بأنه مطاع انتهى. ولا يعجبني قوله : الواضع لتلك الشريعة ، والأحسن أن يقال : الذي جاء بتلك الشريعة من عند الله.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) ظلموا أنفسهم بسخطهم لقضائك أو بتحاكمهم إلى الطاغوت ، أو بجميع ما صدر عنهم من المعاصي. جاؤوك فاستغفروا الله بالإخلاص ، واعتذروا إليك. واستغفر لهم الرسول أي : شفع لهم الرسول في غفران ذنوبهم. والعامل في إذ جاؤوك ، والتفت في قوله : واستغفر لهم الرسول ، ولم يجىء على ضمير الخطاب في جاؤوك تفخيما لشأن الرسول ، وتعظيما لاستغفاره ، وتنبيها على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله تعالى بمكان ، وعلى أنّ هذا الوصف الشريف وهو إرسال الله إياه موجب لطاعته ، وعلى أنه مندرج في عموم قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) (١) ومعنى وجدوا : علموا ، أي : بإخباره أنه قبل توبتهم ورحمهم.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٦٤.