ذهب إليه الطبري بعيد جدا لأن كل جملة قد استقلت بنفسها ، ولا يظهر لها تعلق بما بعدها إلا تعلق المناسبة ، ولا تعلق اضطرار المعنى. وأبعد من قول الطبري ما ذهب إليه جماعة من أن ذلك إشارة إلى كل ما نهى عنه من القضايا ، من أول السورة إلى النهي الذي أعقبه قوله : ومن يفعل ذلك. وجوز الماتريدي أن يكون ذلك إشارة إلى أكل المال بالباطل ، قال : وذلك يرجع إلى ما سبق من أكل المال بالباطل ، أو قتل النفس بغير حق ، أو إليهما جميعا انتهى. فعلى هذا القول يكون في المشار إليه بذلك خمسة أقوال.
وانتصاب عدوانا وظلما على المفعول من أجله ، وجوزوا أن يكونا مصدرين في موضع الحال ، أي : معتدين وظالمين. وقرىء عدوانا بالكسر. وقرأ الجمهور : نصليه بضم النون. وقرأ النخعي والأعمش : بفتحها من صلاة ، ومنه شاة مصلية. وقرىء أيضا : نصليه مشددا. وقرىء : يصليه بالياء ، والظاهر أن الفاعل هو ضمير يعود على الله أي : فسوف يصليه هو أي : الله تعالى. وأجاز الزمخشري أن يعود الضمير على ذلك قال : لكونه سببا للمصلي ، وفيه بعد. ومدلول نارا مطلق ، والمراد ـ والله أعلم ـ تقييدها بوصف الشدّة ، أو ما يناسب هذا الجرم العظيم من أكل المال بالباطل وقتل الأنفس.
(وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) ذلك إشارة إلى إصلائه النار ، ويسره عليه تعالى سهولته ، لأن حجته بالغة وحكمه لا معقب له. وقال الزمخشري : لأن الحكمة تدعو إليه ، ولا صارف عنه من ظلم أو نحوه ، وفيه دسيسة الاعتزال.
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) مناسبة هذه الآية ظاهره ، لأنه تعالى لمّا ذكر الوعيد على فعل بعض الكبائر ، ذكر الوعد على اجتناب الكبائر. والظاهر أنّ الذنوب تنقسم إلى كبائر وسيئات ، وهي التي عبر عنها أكثر العلماء بالصغائر. وقد اختلفوا في ذلك ، فذهب الجمهور إلى انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر ، فمن الصغائر النظرة واللمسة والقبلة ونحو ذلك مما يقع عليه اسم التحريم ، وتكفر الصغائر باجتناب الكبائر. وذهب جماعة من الأصوليين منهم الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني ، وأبو المعالي ، وأبو نصر عبد الرحيم القشيري : إلى أن الذنوب كلها كبائر ، وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها ، كما يقال : الزنا صغيرة بالنسبة إلى الكفر ، والقبلة المحرّمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا ، ولا ذنب يغفر باجتناب ذنب آخر ، بل كل ذنب كبيرة وصاحبه ومرتكبه في المشيئة غير الكفر. وحملوا قوله تعالى : كبائر ما تنهون عنه