لأن المشبه مرفوع بالابتداء ، والمشبه به ليس مبتدأ. إنما هو ظرف في موضع الخبر على زعم من يرى ذلك. وليس في الحقيقة في موضع رفع ، بل هو في موضع نصب بالعامل المحذوف ، وذلك العامل هو مرفوع. فإذا قال النحاة : هذا الظرف الواقع خبرا في محل الرفع ، فيعنون أنه لما قام مقام المرفوع صار في محله ، وهو في التحقيق في موضع نصب كما ذكرنا. وأما قوله في قولك : أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما ، فهذا في غاية الفساد. لأن هذا الظرف على مذهب من يجعله في موضع خبر المبتدأ الذي هو أخطب ، لا يجيز أن ينطق به ، إنما هو أمر تقديري. ونصّ أرباب هذا المذهب وهم القائلون بإعراب أخطب مبتدأ ، أنّ هذه الحال سدت مسد الخبر ، وأنه مما يجب حذف الخبر فيه لسد هذه الحال مسده. وفي تقرير هذا الخبر أربعة مذاهب ، ذكرت في مبسوطات النحو.
وقرأ الجمهور : من أنفسهم بضم الفاء ، جمع نفس. وقرأت فاطمة ، وعائشة ، والضحاك ، وأبو الجوزاء : من أنفسهم بفتح الفاء من النفاسة ، والشيء النفيس. وروي عن أنس أنه سمعها كذلك من رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وروى عليّ عنه عليهالسلام : «أنا من أنفسكم نسبا وحسبا وصهرا ، ولا في آبائي من آدم إلى يوم ولدت سفاح كلها نكاح والحمد لله».
قيل : والمعنى من أشرفهم ، لأن عدنان ذروة ولد إسماعيل ، ومضر ذروة نزار بن معد بن عدنان ، وخندف ذروة مضر ، ومدركة ذروة خندف ، وقريش ذروة مدركة ، وذروة قريش محمد صلىاللهعليهوسلم. وفيما خطب به أبو طالب في تزويج خديجة رضياللهعنها وقد حضر معه بنو هاشم ورؤساء مضر : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية ابراهيم ، وزرع إسماعيل ، وضئضىء معه ، وعنصر مضر ، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه ، وجعل لنا بيتا محجوجا ، وحرما آمنا ، وجعلنا الحكام على الناس ، ثم إنّ ابن أخي هذا محمد بن عبد الله من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح به ، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل. وقال ابن عباس : ما خلق الله نفسا هي أكرم على الله من محمد رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وما أقسم بحياة أحد غيره فقال : لعمرك.
(يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) تقدّم تفسير هذه الجمل.
(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ) أي من قبل بعثه.
(لَفِي ضَلالٍ) أي حيرة واضحة فهداهم به. وإن هنا هي الخفيفة من الثقيلة ، وتقدّم