فقيل : سألوا الرسول صلىاللهعليهوسلم ، هل لهم معاشر المسلمين من النصر والظهور على العدوّ شيء أي نصيب؟ وأجيبوا بقوله : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (١) وهو النصر والغلبة. «كتب الله لأغلبن أنا ورسلي» «وأن جندنا لهم الغالبون». وقيل : المعنى ليس النصر لنا ، بل هو للمشركين. وقال قتادة وابن جريج : قيل لعبد الله بن أبيّ بن سلول : قتل بنو الخزرج ، فقال : وهل لنا من الأمر من شيء؟ يريد : أن الرأي ليس لنا ، ولو كان لنا منه شيء لسمع من رأينا ولم نخرج ولم يقتل أحد منا. وهذا منهم قول بأجلين. وذكر المهدوي وابن فورك : أن المعنى لسنا على حق في اتباع محمد. ويضعف هذا التأويل الرد عليهم بقوله : قل. فأفهم أن كلامهم إنما هو في معنى سوء الرأي في الخروج ، وأنه لو لم يخرج لم يقتل أحد.
وعلى هذا المعنى وما قبله من قول قتادة وابن جريج يكون الاستفهام معناه النفي. ولما أكد في كلامهم بزيادة من في قوله : من شيء ، جاء الكلام مؤكدا بأنّ ، وبولغ في توكيد العموم بقوله : كله لله. فكان الجواب أبلغ.
والخطاب بقوله : قل ، متوجه إلى الرسول بلا خلاف. والذي يظهر أنه استفهام باق على حقيقته ، لأنهم أجيبوا بقوله : قل إن الأمر كله لله. ولو كان معناه النفي لم يجابوا بذلك ، لأنّ من نفى عن نفسه أن يكون له شيء من الأمر لا يجاوب بذلك ، إلا إن قدر مع جملة النفي جملة ثبوتية لغيرهم ، فكان المعنى : ليس لنا من الأمر من شيء بل لغيرنا ممن حملنا على الخروج وأكرهنا عليه ، فيمكن أن يكون ذلك جوابا لهذا المقدّر. وهذه الجملة الجوابية معترضة بين الجمل التي أخبر الله بها عنهم.
والواو في قوله : وطائفة ، واو الحال. وطائفة مبتدأ ، والجملة المتصلة به خبره. وجاز الابتداء بالنكرة هنا إذ فيه مسوغان : أحدهما : واو الحال وقد ذكرها بعضهم في المسوغات ، ولم يذكر ذلك أكثر أصحابنا وقال الشاعر :
سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا |
|
محياك أخفى ضوؤه كل شارق |
والمسوغ الثاني : أن الموضع موضع تفصيل. إذ المعنى : يغشى طائفة منكم ، وطائفة لم يناموا ، فصار نظير قوله :
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له |
|
بشق وشق عندنا لم يحوّل |
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٥٤.